حيدر عبد المرشد – باحث
مدخل
عانى العراق -كسائر بلدان العالم- من التطرُّف، بل ربَّما فاقت التجربة العراقية المرَّة مع التطرُّف المؤدِّي إلى العنف تجارب غيره من الدول، واتضح هذا خصوصاً بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003.
على أيِّ حال، لسنا هنا بصدد الحديث عن تجربة العراق في حرب تنظيم القاعدة أو «تنظيم داعش»، ولكن ترتكز الورقة على تصنيف التطرُّف المؤدِّي إلى العنف في العراق بصورة وجيزة، ويمكن أن نحصره في مستويين، سنتطرُّق لهما بصورة مختصرة.
أولاً: مستويات التطرُّف المؤدِّي إلى العنف في العراق:
تطرُّف ضد الدولة.
تنضوي تحت هذا التصنيف أغلب الجماعات الإسلامية التي ارتبطت بصورة أو بأخرى بالفكر السلفي الجهادي -تنظيم القاعدة و»داعش» في طليعتها-، وهي تتبنَّى عقيدة مركزية قوامها رفض الدول الحاضرة، وتكفير مَن يديرها حتى وإن كان يعود بأصوله المذهبية إلى الأصول نفسها التي تدعي هذه التنظيمات الانضواء تحتها.
كما تقوم على تكفير الآخر المختلف معها مذهبياً، وتضع في دائرة الشك كل مَن يوافق الدولة أو يتعاون معها حتى وإن كان من مذهب هذه الجماعات نفسه، وقد تعرَّضتِ المحافظات التي يقطنها أغلبية أهل السنة والجماعة في العراق إلى حملات تصفية كبيرة، طالت ضباط الأجهزة الأمنية ومنتسبيها، فضلاً عن رجال الدين الذين رفضوا التعاون مع التنظيمات المتطرِّفة، ومواطنين أبرياء رفضوا بيعة تلك التنظيمات.
ومع الاتفاق بين هذه الجماعات بشأن جاهلية المجتمعات الإسلامية، وتكفير الدول فيها وقتالها وَفْق منهج أبي الأعلى المودودي وسيد قطب، واتفاق أغلب مواقفها بشأن الشيعة، إلا أنَّ تطبيقات عملها اختلفت في العراق من تنظيم لآخر.
قاتلتِ القاعدة قوَّات الولايات المتحدة والحكومة العراقية على حدٍّ سواء، في مسار قتال العدو القريب والبعيد، على خلاف الفكرة المركزية في التنظيم التي تدور حول ضرب المصالح الغربية عموماً والولايات المتحدة خصوصاً، بما يقود إلى سحب دعم الولايات المتحدة للأنظمة العربية والإسلامية التي تدور في فلكها، وبالنتيجة ستنهار هذه الأنظمة، لتحل القاعدة محلها عبر الجماعات المحلية المنضوية تحت لوائها، كما فتح تنظيم القاعدة في العراق جبهة أخرى لقتل المدنيين الشيعة في تفجيرات متلاحقة في العراق طوال سنوات عملها تحت قيادة أبي مصعب الزرقاوي.
أمَّا «تنظيم داعش» فقد ركَّز على الجبهة المحلية، وعلى العدو القريب، وعمل على قتال ما وصفه بـ»الأنظمة الكافرة» حيثما وجدت في المجتمعات الإسلامية، وتطهير هذه المجتمعات من كل من يخالفه التنظيم مذهبياً وفكرياً ودينياً، بأعنف صورة ممكنة، وَفْق ما نظر له أبو بكر ناجي في كتابه إدارة التوحُّش، ولم يسجل للتنظيم استهداف نوعي للولايات المتحدة وحلفائها في العراق.
سنلاحظ أنَّ القاعدة -هنا- تركت للتنظيمات المحلية أن تدير شأن دولها الإسلامية في مجتمعاتها المحلية، لم تدعُ إلى خلافة إسلامية، ولم تهدف إلى إلغاء الحدود بصورة فعلية، وإن كان التضامن فيما بين تلك الحركات ومرجعيتها الواحدة سوف يقود إلى إلغاء الحدود عملياً، على عكس تنظيم (الدولة الإسلامية داعش)، الذي استهدف إلغاء الحدود، وإقامة دولة خلافة إسلامية وَفْق معاييره الأممية، رافضاً التقسيمات التي وضعها «الاستعمار الغربي» للمنطقة.
وعلى الجانب العملي، فاق «داعش» مَن سبقه من التنظيمات في العراق في استهداف المخالفين له بكل انتماءاتهم، وأسرف في قتل السنة غير المطيعين له، وفي تهجير الأقليات الدينية وقتلهم، وفي سنوات قتال القاعدة في العراق لم تسجل حالات اغتصاب للنساء، ولا سبي، على عكس ما حدث مع تنظيم (داعش) الذي عمد إلى اغتصاب النساء وسبيهن، بما فيهن المسلمات من الشيعة، وإن كانت هناك ملاحظة تختص بهذا الموضوع تحديداً.
يمكن القول إنَّ الغلبة في تنظيم القاعدة في العراق كانت للعراقيين، صحيح أنَّهم لم يكونوا ينفِّذون العمليات الانتحارية، لكن أغلب المقاتلين والقادة كانوا عراقيِّين، وانتماءَهم للقاعدة كان سياسياً أكثر ممَّا هو عقائدي، وكانوا يخضعون لمنظومة قبلية تتداخل فيها العشائر العراقية في المذاهب، لهذا وفي ذروة سنوات القتل الطائفي في العراق، وفي المناطق المختلطة مثل محافظة ديالى مثلاً، لم تسجل حالات اغتصاب، فالقادة من أبناء المنطقة، يمكن أن يبرِّروا القتل عشائرياً، لكن لا تبرير لاغتصاب النساء، الذي سيكون عاراً قبلياً لا يغتفر، وينطبق على قتل النساء أيضاً وإن كان بدرجة أقل.
أمَّا تنظيم (داعش) فقد كانت الغلبة القيادية فيه للأجانب المتطرفين في تفسير الحكم الشرعي وتنفيذه، ممَّا جعل التنظيم لا يتوقف عند سفكِ دماء المسلمين، بل تعدَّاه إلى سبي النساء واغتصابهن وقتلهن حرقاً على حدٍّ سواء مع الرجال، في مسلك هو الذروة في التوحُّش.

لقراءة المزيد اضغط هنا