د. عدنان صبيح ثامر – باحث في الانثروبولوجيا
كانت الصلاة الموحَّدة التي أعلن عنها السيد مقتدى الصدر، في بيان عبر مكتبه الخاص (3 تموز 2022)، ملازمة لظروف متشنِّجة أنتجها التعاطي السياسي بين الصدريين والإطاريين بعد فشل مشروع الأغلبية الذي نادى به الصدر وحلفاؤه، ممَّا أدَّى إلى انسحاب الصدريين من البرلمان. وكان ذلك الانسحاب بوابةً لتكهُّناتٍ متعلِّقةٍ بالشلل الذي سيصاحب تشكيل الحكومة خصوصاً أنَّ الصدر لم يحدِّدِ المراحل اللاحقة، وما صورة المعارضة التي سيتبعها وهو خارج البرلمان؟ وتلك المعارضة ستقف عند حدود الاعتراض والتوجيه والاستعداد للمرحلة المقبلة؛ أم هي كفيلة بإنتاج نظام آخر يصنعه الفوران الشعبي التابع للصدريين؟ ومع تلك التكهُّنات جاء الرد الصدري بأنَّ هناك صلاة موحَّدة لأتباعه من جميع المحافظات العراقية في بغداد (مدينة الصدر) -المعقل الأبرز لتابعيه-، وتشكيل لجنة لإدارة ملف التحضيرات للصلاة أبرز من فيها حاكم الزاملي (نائب رئيس البرلمان المستقيل)، في تحضير ذهني على أنَّ الصلاة لها ارتباط بالوضع السياسي القائم، وانسحاب الصدريين وتشكيل الحكومة، وإلَّا كيف يمكن تفسير وجود الزاملي وهو سياسي في فعالية عبادية؟ معطيات تؤشِّر إلى حدوث شيء، صلاة في بغداد مركز الحكومة والأحزاب السياسية المناوئة للصدر (بدلالات سياسية)، إذ لم تحدَّدِ الكوفة لإقامتها، مع الرمزية الكبرى التي تحملها منبرية الكوفة، وعلاقاتها بأول صلاة أقيمت للسيد محمَّد محمَّد صادق الصدر، خصوصاً بعد الإعلان بأنَّها ذكرى أول صلاة جمعة أقامها الصدر(عام 1998)، فترك الكوفة والتوجُّه إلى بغداد يعني بأنَّ هناك تحضير سياسي، وبَقِيَ مرتبطاً بالتكهُّنات التي رفعت من سقف التوقُّعات، والأمنيات لبعضهم، والخشية لبعضهم الآخر، كلٌّ وَفْق توجهاته (السياسية). تضاف إلى تلك المعطيات أنَّ هناك شعاراً أطلقه أتباع الصدر على وسائل التواصل الاجتماعي (جاهزون)؛ تبعه استقالة الصدريين، وسبق الدعوة للصلاة الموحَّدة، وجاء بعدها الدعوة إلى صلاة موحَّدة، ومن ثَمَّ فهي أول فعالية شعبية يقيمها الصدريون بعد انسحابهم من البرلمان؛ لذا فارتباطها سياسي، وأجواؤها مشحونة، وتوقعاتها تتجاوز الحدود المقرَّة لها (دينية، واستذكارية، وعبادية).
ولا يمكن إغفال ارتباط موعدها بقرب بداية الفصل التشريعي للبرلمان، والذي من التوقع أن يباشر عن طريقه بانتخاب رئيس الجمهورية، واختيار رئيس الوزراء.
تلك المعطيات كفيلة بإرسال رسائل سياسية مفادها أنَّ الصدريين سيكون لهم موقف حيال أي تقدُّم في تشكيل الحكومة، إلا أنَّ التساؤل كامن في حدود ذلك الموقف؟ ومدى توسعه؟
التفكير في هذين السؤالين هو الذي يحدِّد السياق الخطابي للجمعة الموحَّدة، بل يفككُّ كثيراً من المعطيات التي سبقتها، وممكن له أن يؤكِّد، أو يفنِّد بعضها.
هناك عدد من المعطيات تحجم فكرة توسُّع الموقف الصدري إلى حدود أوسع من الصلاة والخطبة، حتى إن سبقها ترويجاً ذا سقف عالٍ، ربَّما كان دافعه إرسال رسالتين؛ الأولى للمناوئين بأنَّهم يملكون الجمهور الذي عن طريقه يستطيعون فعل أي شيء، والرسالة الأخرى كان التصعيد متعلقاً بربط الجمهور بالفعل السياسي، والذي سيكون دافعاً لحضورهم بصورة كبيرة.