back to top
المزيد

    عودة الاهتمام الأمريكي بالشرق الأوسط مرة أخرى: هل سيكون العراق حاضراً هذه المرة؟

    د. خالد هاشم – باحث في مجال العلاقات الدولية
    تمثِّل زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى منطقة الشرق الأوسط في المدَّة من 13- 16 تموز 2022 نقطةَ تحوُّلٍ في سياسة الإدارة الأمريكية تجاه المنطقة، وعودة الاهتمام الأمريكي مرة أخرى بها وبقضاياها بعد تجاهلها لمدَّة طويلة، وتحديداً منذ تولي باراك أوباما السلطة في عام 2008.
    من جانب آخر، يمثِّل حضور العراق متمثِّلًا برئيس الوزراء السيد مصطفى الكاظمي نقطةَ تحوُّلٍ مهمَّة في علاقة العراق بالولايات المتحدة من جهة، والدول العربية من جهة أخرى، إذ لم يشارك العراق بمثل هذه القمم منذ مدَّة طويلة، وظلَّ العراق بعيداً عن ممارسة دوره الحقيقي الذي لا يتناسب مع ما يتوفَّر لديه من إمكانيات كبرى على المستويين الاقتصادي والسياسي.
    تجنَّب جو بايدن -ومنذ حملته الانتخابية الأخيرة- التحدُّثَ عن قضايا الشرق الأوسط إلا في حالات قليلة، كحالة العودة للاتفاق النووي الإيراني الذي انسحب منه الرئيس السابق دونالد ترامب في 2018، وقدِ استمرَّ هذا التوجُّه عند بادين حتى وقت قريب.
    وضمن هذا السياق أيضاً، لم يعدِ العراق حاضراً في ذهن الولايات المتحدة الأمريكية أو أجندتها، فإذا ما راجعنا وثيقة الأمن القومي الأمريكي التي تصدر كل أربع سنوات لتحدِّد ما الأولويات والأهداف للولايات المتحدة إستراتيجياً على مستوى العالم، سنجد أنَّ العراق غائب في تلك الوثيقة، بدايةً من وثيقة الأمن القومي 2010 و2014 ومن ثَمَّ 2018 و2022، وسيجد القارئ لتلك الوثيقة حضور العراق حضورًا هامشياً في قضايا محدَّدة تخصُّ الإرهاب، أو ألَّا يشكِّلَ العراق مصدراً للخطر، ومن ثَمَّ فالعراق هو غائب في أولويات الولايات المتحدة منذ مدَّة.
    وقد عكس هذا التوجُّه الأمريكي بعدم الاهتمام بقضايا الشرق الأوسط بصورة عامة قناعة لدى عدد من دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة بأنَّ منطقة الشرق الأوسط أصبحت أقل أهمية للمصالح الإستراتيجية الأمريكية، ولم تعد تحظى بالأهمية النسبية التي كانت تحظى بها سابقاً بالنسبة إلى السياسة الأمريكية، لأسباب عديدة:
    انخفاض احتياج الولايات المتحدة إلى نفط الشرق الأوسط، سواءً بسبب قيامها بتنويع مصادر استيراد النفط، والاعتماد بصورة كبرى على مصادر من خارج منطقة الخليج العربي، مثل كندا والمكسيك ونيجيريا، أم فيما يتعلَّق بالاكتشافات الضخمة لما يسمى «النفط الصخري» في الولايات المتحدة، والبدء في استخراجه وإنتاجه بمعايير اقتصادية، (الولايات المتحدة الآن هي أكبر منتج للبترول في العالم بمتوسط 18 مليون برميل يومياً)، وهو ما أدَّى إلى وصول الولايات المتحدة إلى حالة الاكتفاء الذاتي من الطاقة، ووَفْق تقديرات تشير إلى أنَّ الولايات المتحدة ستصبح دولة مصدِّرة للنفط خلال الفترة من 2025 إلى 2030، ومن ثَمَّ عدم الحاجة للواردات النفطية من الخارج، وخاصة من الشرق الأوسط.
    ارتبط تراجع الاهتمام الأمريكي بالشرق الأوسط بتوجهات الرأي العام الأمريكي، الذي لم يعد متحمساً كما في السابق للتدخُّل الأمريكي في المنطقة، أو النشاط الزائد بها؛ بسبب الكلفة الاقتصادية والبشرية اللتينِ دفعتا الولايات المتحدة في غزوها للعراق واحتلاله، وقد اتضح ذلك وضوحاً جلياً في محدودية الدور والتأثير الأمريكيين في مرحلة ما بعد الربيع العربي، ورفض قطاع واسع من الرأي العام في البلدان العربية والقوى السياسية المتباينة لأي دور للولايات المتحدة، ووصفها بعدم المصداقية والتشكك في نياتها.
    أي: هناك تفهُّم أمريكي لمحدودية الدور الذي يمكن أن تلعبه في المنطقة، وعدم الترحيب به، ومن ثَمَّ وصلت بعض دوائر الحكم الأمريكية، كوزارة الخارجية إلى قناعات واقعية، مفادها أنَّه لا داعي للقيام بمثل هذا الدور.
    خفض الإنفاق العسكري. لا شكَّ أنَّ ارتفاع مستوى عجز الموازنات الأمريكية والضغوط التي واجهتها الإدارات السابقة المختلفة، بات من الصعب التورط في حروب جديدة في منطقة الشرق الأوسط، أو الاستمرار في حالة الاستنزاف الأمريكي. كما أنَّ زيادة معدلات عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، أدَّت إلى إعادة صياغة الأهداف الإستراتيجية للمصالح الأمريكية، فبدلاً من الأهداف التقليدية المرتبطة بالحفاظ على تدفُّق النفط، وأمن إسرائيل، ومنع الانتشار النووي، ومواجهة النفوذ الروسي وريث الاتحاد السوفيتي، أصبح التركيز أكثر على كيفية تحقيق الاستقرار في هذه المنطقة، عن طريق دعم الدول الصديقة في مواجهة صعود الحركات الإرهابية المتطرفة من دون الذهاب والتورُّط والمشاركة هناك. بداية من استمرارية التمسُّك بخيار عدم التورط عسكرياً في المنطقة، والتركيز على التعامل مع أزمات الإقليم بانتقائية، وعدم تبني إستراتيجية شاملة، والاهتمام باضطلاع دول المنطقة بدور مركزي في التعامل مع قضايا المنطقة مباشرة وأزماتها، وعدم التعويل على الدور الأمريكي، وصولاً إلى تغيير البيئة الإستراتيجية للإقليم، كما هو الحال في تحويل نمط العلاقة على سبيل المثال مع إيران من حالة العداء إلى حالة التعاون، ثم الانتقال إلى مستوى مختلف يتضمن علاقات طبيعية على المدى البعيد.

    لقراءة المزيد اضغط هنا