تأتي الزيارة الأولى المرتقبة للرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الشرق الأوسط في منتصف يوليو/ تموز الجاري، والتي ستشمل إسرائيل ودول عربية وخليجية أخرى، فضلاً عن الحراك الإقليمي النشط الذي تقوم به بعض القوى الإقليمية، مترافقة مع وضع سياسي معقَّد يعيشه العراق اليوم، إذ إنَّه ومع مرور ثمانية أشهر على إجراء الانتخابات المبكرة، فحتَّى اللحظة لم تتمكَّنِ الكتل السياسية العراقية من الاتفاق على تشكيل حكومة جديدة، ليس لأسباب داخلية فحسب، وإنَّما لأسباب خارجية ترتبط بصورة مباشرة ببعض الدول المنغمسة بالشأن العراقي، والتي ستشمل بعضها جولة بايدن المرتقبة، وهو ما يجعل العراق حاضراً وبقوة في أجندته السياسية، ليس لأنَّه إحدى الحلقات المفترضة لمواجهة إيران، كما ترى الولايات المتحدة وإسرائيل، وإنَّما للتداعيات الخطيرة التي قد ينتجها استمرار الارتباك في الواقع العراقي على دول الجوار والإقليم، في حال لم يكن هناك رؤية إقليمية ودولية واضحة تبعد العراق عن شبح الفوضى السياسية التي يمكن أن تحصل.
يمكن القول -على هذا الأساس- إنَّ العراق سيكون أحد الملفات المهمة التي ستُتَناول في قمة الرياض المرتقبة، والتي ستجمع الولايات المتحدة وإسرائيل ودول عربية وخليجية، كما أنَّه سيكون متغيراً مهماً في المعادلة الإقليمية الجديدة التي يُراد لها أن ترسم، ومع محاولة العراق مراراً عدم الدخول في حسابات إقليمية معقَّدة؛ نظراً للواقع السياسي الهش الذي يعيشه، وتأكيده المستمر سياسة الحياد الإيجابي، إلا أنَّ البيئة الإقليمية تبدو اليوم تسير وَفْق أنساق سياسية جديدة، وذلك بفعل تصاعد حجم الملفات التي تشمل العلاقات بين إيران ودول المنطقة ومن ثم الولايات المتحدة، وهو ما يجعل إمكانية استمرار العراق في هذا الدور، تكتنفه عديد من التساؤلات والاستفسارات حول مدى قدرة صانع القرار السياسي العراقي، على بلورة أهداف وطنية بعيداً عن ربط العراق بحسابات إقليمية معقَّدة.
أولاً: أجندة بايدن الشرق أوسطية
تسلِّط زيارة بايدن المرتقبة الضوءَ على طبيعة التحوُّل الأمريكي في التعاطي مع قضايا المنطقة، خصوصاً أنَّها الزيارة الأولى له منذ انتخابه رئيساً للولايات المتحدة، وتأتي بعد جفاء أمريكي واضح لقضايا المنطقة، مقابل اهتمام أمريكي بشرق آسيا والحرب في أوكرانيا، كما تأتي هذه الزيارة في ظل منعطف خطير تمرُّ به المنطقة، أبرزها تطوُّر الأوضاع على الساحة الفلسطينية وتعثُّر المفاوضات مع إيران والأزمة السياسية التي يعيشها العراق ولبنان، وأزمات الطاقة والغذاء وغيرها من الملفات المعقدة.
إذ يدرك بايدن أنَّ الالتزامات التي سبق أن التزمت بها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط في الفترة الماضية، لا يمكن لأي إدارة أمريكية أن تتنصَّل منها، لما لذلك من تداعيات خطيرة على مستقبل التوازنات الإقليمية فيها، إلى جانب تداعياتها على مسارات التطبيع الخليجي الإسرائيلي، كما يعرف بايدن أهمية وضع نهايات حاسمة لهذه الملفات، قبل أن تستعيد روسيا والصين دورهما في الشرق الأوسط، إذ توجد إمكانية أن يتحوَّل حلفاء الولايات المتحدة إلى الجبهة الأخرى، فيما لو استمر الجفاء الأمريكي لهم، وفي مقدمتهم السعودية.
ولذا يتضح من جدول الأعمال الخاص بزيارة بايدن أنَّ السعودية وإسرائيل تأتيان في سُلَّم أولويات الزيارة المرتقبة، إلى جانب دول عربية وخليجية أخرى، وذلك وَفْق شمولية التصوُّر السياسي الذي تحمله زيارة بايدن، والترتيبات الأمنية التي تسعى إدارته لتشكيلها في المنطقة في المرحلة المقبلة.
فضلاً عمَّا ذُكِرَ، يمثِّل الحديث عن المظلة الأمنية التي تعتزم إدارة بايدن إنشائها على غرار هذه الزيارة، والتي تشمل إسرائيل ودول الخليج، الملف الأكثر حضوراً في هذه الزيارة، بعد ملفات الطاقة والتجارة والمنافسة الدولية، إذ أعادت الزيارة المرتقبة لبايدن الحياة لفكرة إنشاء تحالف عسكري في المنطقة، وفي حديثٍ لقناة «سي أن بي سي» الأمريكية، قال العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، إنَّه سيدعم تشكيل تحالف عسكري في الشرق الأوسط على غرار حلف شمال الأطلسي، وكشف أنَّ ذلك يمكن أن يكون مع الدول التي تشاطره الرأي، ومنها الولايات المتحدة، إذ تأمل واشنطن أن يساعد مزيداً من التعاون، وخاصة في مجال الأمن، على زيادة اندماج إسرائيل في المنطقة وعزل إيران، كما أنَّها قد تمهِّد لمزيدٍ من صفقات التطبيع مع إسرائيل، بما في ذلك مع السعودية، بعد إقامة العلاقات مع الإمارات والبحرين في عام 2020.