د. مصطفى الدراجيّ / باحث
جاء تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية تعبيراً عن المشتركات التاريخية والاجتماعية والثقافي التي تجمع دوله، إذ تتميَّز دول مجلس التعاون بعمق الروابط الدينية والثقافية، والتمازج الأسري بين مواطنيها، وهي في مجملها عوامل تقارب وتوحيد، وثقتها عوامل أخرى تمثَّلت بالرقعة الجغرافية المنبسطة عبر البيئة الصحراوية الساحلية التي تحتضن سكان هذه المنطقة، والعامل الاقتصادي المتمثل بوفرة العوائد النفطية التي أنتجت مجتمعات الرفاهية، زِدْ على ذلك أنظمة الحكم المتماثلة، كلُّ هذه العوامل وغيرها من العوامل أنشأت مجلس التعاون لدول الخليج العربي.
وهناك عوامل أخرى ساعدت فيما بعد بتعزيز وحدة ذلك المجلس مثل: الحرب العراقية-الإيرانية، وغزو العراق للكويت، وثورات ما سُمِّيَ بالربيع العربي، والخوف من التيارات الإسلامية المتطرِّفة، وغيرها من تلك العوامل التي ساهمت في استمرار المجلس، ونجاحه كتكتُّل عربي هدفه تعزيز التكامل الخليجي، ولا يخفى أنَّ تزايدَ الأخطار على دول المجلس، وسعياً منها إلى زيادة قوتها، ونفوذها، قاد إلى أن يُتداولَ بين الحين والآخر في قمم المجلس حول الرغبة بزيادة أعضاء الدول الأعضاء، وتتردَّد في أروقة المجلس أسماء دول مثل: (الأردن، والمغرب، والعراق، واليمن)، لكن الواقع لا ينبي عن رغبة حقيقية لأعضاء المجلس في منح العضوية الكاملة لإحدى تلك الدول؛ لأسباب هيكلية، وموضوعية، وإستراتيجية، لكن تبقى الرغبة بالتوسُّع حاضرة لدى دول المجلس، ولدى تلك الدول التي يرشَّح انضمامها في أن تصل إلى الشروط الموضوعية التي تؤهلها للانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي، لما له من ثقل اقتصادي وسياسي كبيرينِ.
نحاول الإجابة -في هذه الورقة- عن تساؤلات عديدة من أجل الوصول إلى الإجابة عن التساؤل الأهم المتمثل بأهلية العراق للانضمام إلى دول مجلس التعاون الخليج العربي، وهل أنَّ الدول الأعضاء لديها الرغبة الحقيقية بضم العراق؟ ومن أجل الإجابة عن هذا السؤال؛ لا بدَّ من تسليط الضوء على كيفية إنشاء المجلس؟ والظروف التي دفعت لإنشائه، وأهمية المجلس، وإنجازاته، وآلية الانضمام إليه، وأخيراً نختم الورقة بشرح دوافع انضمام العراق لمجلس التعاون لدول الخليج العربي، وما الوضعية المثلى لوضع العراق في ظل تصاعد النقاش حول إمكانية ضم العراق للمجلس مستقبلاً؟
أولاً: مجلس التعاون الخليجي: النشأة والهيكلية
تُعدُّ منطقة الخليج العربي من إحدى أهم المناطق الحيوية الإستراتيجية في العالم استناداً إلى اعتبارات عديدة، كموقعها الإستراتيجي، وأهميتها الاقتصادية المتمثلة في معدَّلات التبادل التجاري مع دول العالم، فضلاً عن أنَّ المنطقة أهم مستودع للطاقة؛ إذ تمتلك أكثر من ثلثي الاحتياطي العالمي من النفط؛ بما يحمله ذلك من تأثير على النمو الاقتصادي العالمي.
ومن ناحية أخرى، تمثِّل دول مجلس التعاون الخليجي تركيبة سياسية متجانسة مشتركة بأنظمة الحكم الملكية على اختلاف نسبة المشاركة السياسية للمجتمع، وتجمعها التجربة التاريخية، ويربطها الموقع الجغرافي والحدود المشتركة، فضلاً عن مشتركات اللغة، والعادات، والتقاليد، والدين.
وانطلاقاً من أهميتها وارتباطها ببعضها بعضاً برزت أهمية وجود كيان جماعي يعبِّر عن المصالح المشتركة لتلك الدول، ويتفاعل مع الأحداث الإقليمية والدولية المحيطة تأثيراً وتأثُّراً، واستجابة لبعض المتغيرات، والمعطيات الإقليمية والدولية.
ثانياً: نشأة مجلس التعاون الخليجي
بعد اقتراحات عديدة، ومحاولات بذلتها جميع الدول العربية المطِلَّة على الخليج العربي، أُعْلِنَ عن إنشاء المجلس في اجتماع قادة دول الخليج الست (المملكة العربية السعودية، والكويت، والإمارات العربية المتحدة، وقطر، والبحرين، وعُمان) في أبو ظبي في المدَّة (25-26) مايو/أيار 1981، وأُطلق على هذا الاجتماع قمة التأسيس؛ إذ كان فيه التوقيع على النظام الأساسي للمجلس، وجاء في مضمون الاجتماعات أنَّ الهدف يتمثَّل بتحقيق التعاون بين دول الخليج الست وتنمية علاقاتها، وتحقيق التنسيق والتكامل والترابط وتعميق وتوثيق الروابط والصلات القائمة بين شعوبها في مختلف المجالات، وإنشاء المشاريع المشتركة، ووضع أنظمة متماثلة في جميع المجالات بما يخدم مصالحها، ويقوِّي قدرتها على التمسُّك بعقيدتها وقيمها.
أمَّا الدواعي التي ساقها قادة دول مجلس التعاون لإنشاء المجلس وبين تلك التي دفعت إليها الظروف الإقليمية والدولية فتقسم على ثلاث أقسام، يعرض الأول لدواعي تأسيس مجلس التعاون من وجهة النظر الرسمية الخليجية، فيما يحلِّل الثاني دوافع تأسيس المجلس في ضوء الظروف والعوامل الداخلية والإقليمية والدولية، أمَّا الثالث فيسعى لتفسير تأسيس مجلس التعاون في ضوء نظريات العلاقات الدولية، وذلك للموازنة بين النظرة الرسمية وغير الرسمية لدواعي التأسيس، وهو ما يساهم في الخروج ببعض الخلاصات في هذا الشأن.