د. عدنان ياسين مصطفى/ أستاذ علم اجتماع التنمية – جامعة بغداد
مقدمة:
داهمتِ التحديات الصحية الكبرى على امتداد حقب التاريخ البنى المجتمعية والمؤسسية، وتسبَّبت بخسائر اجتماعية، واقتصادية، وبيئية، وسياسية، وشملت بتهديدها جميع بلدان العالم المتقدمة والنامية، وطالت جميع الفئات (الكبار والشباب والصغار) والتجمعات البشرية-ريفها وحضرها-.
وقد تباين تأثير التهديد الصحي على العراق؛ بسبب المضاعفات التي رافقت انتشار وباء «كورونا»؛ لما تحصده من الأرواح للكائنات الحية، فضلاً عن الآثار النفسية لما تسبِّبه من حالات القلق والذعر والخوف، إلى جانب الآثار الناجمة عن خسائر اقتصادية هدَّدت خطط التنمية، إذ رافقتها أزمة اقتصادية كبيرة، وشلل تام في معظم النشاطات الاقتصادية.
ومن البداهة القول إنَّ الوقاية الصحية قضية مجتمعية، فالوقاية بمعنى توقَّى حدوث الأسباب والظواهر المهيئة للمرض وتجنَّبها، كوسيلة فعَّالة لوقف حدوث المرض وتوقِّي أضراره ومضاعفاته، وما يترتب عليها من إنفاق مالي من موازنة الأسرة والمجتمع. ولا يمكن أن يتحقَّقَ ذلك إلا بتغيير سلوك الأفراد والمجتمع.
لقد أصبحت المشكلة الصحية الأولى خارج نطاق تحكم الأجهزة الصحية، وتلك المشكلة تخص نظم إدارة الدولة والمجتمع، والتي يتوجب أن تتمَّ بأساليب لا مركزية، بالاستناد إلى المجتمعات المحلية، وإسهام جميع أفراد المجتمع ومشاركتهم في تبنِّي السياسات الصحية الملائمة لهم، وإحداث التغييرات السلوكية المطلوبة، في الغذاء والممارسات الرياضية، ووقف التدخين، والسلوك الإنجابي، بما بترتب على ذلك من توفير إنفاقي قد يصل إلى نصف الموازنات المخصصة للإنفاق على الأمراض ومضاعفاتها.
ينتقل مركز الثقل في مجال الصحة –الآن- من المؤسسات الصحية إلى السلوك المجتمعي والبيئي والتعليمي والمعلوماتية. كما ينتقل الدور المحوري فيها إلى مقدمي الخدمة الطبية كمعالجين إلى مقدمي الخدمة الصحية كوقائيين ومدربين ومعلمين ومديرين ومنظمين. وأصبح توثيق المعلومات الميسَّرة، ونشرها على أوسع نطاق، وتدريب المواطنين عليها، هو الهدف الأساس للممارسات الصحية. إذ إنَّتقلت الرعاية الوقائية لتحتل فعلياً المركز الأول، لإمكان إحداث تطوير صحي حقيقي ملموس للأفراد وللمجتمع، لتعليم المواطنين وتقديم الوقاية.