د.خالد هاشم محمد/ دكتوراه علوم سياسية/ جامعة القاهرة
مع تأكيد الإدارة الأمريكية بقيادة «جو بايدن» على أنَّ السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط ستبقى ثابتة، وما تزال واشنطن ملتزمةً بأمن المنطقة وحماية دولها، إلَّا أنَّ ما يؤخذ على تلك الإدارة هو الغموض، وعدم امتلاكها سياسة واضحة (هذه هي الإدارة الأمريكية الثالثة التي تتبع السياسة نفسها بصورة أساسية منذ أن بدأ الرئيس أوباما التمحور في سياسته بالتوجه نحو آسيا ثم تبعه الرئيس «ترامب» في ذلك). ما تزال خيارات تلك الإدارة كالتي سبقتها تقع في مكان ما بين «الالتزام» و «الانسحاب»، وبين «البقاء» و «الرحيل»، وهو ما تجسِّد في الانفصال بين التصريحات الأمريكية الرسمية، التي تؤكِّد الالتزام والبقاء في منطقة الشرق الأوسط، وما بين النوايا والأفعال التي تؤكِّد عكس ذلك.
والنتيجة، هي أنَّ ذلك الغموض والضبابية اللذين شابا السياسة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط، جعلا دول هذه المنطقة تجهل الدور المطلوب منها، وما تنوي الولايات المتحدة تقديمه لها، ممَّا أدَّى إلى حدوث فراغ في المنطقة جعل كل دولة تتصرف على حِدة، ممَّا أشعل كوارث إقليمية جديدة أخرجت الأمور عن السيطرة.
1_ مظاهر الغموض في السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.
يمكننا رصد حالات عديدة تمثِّل حالة من الغموض وعدم الوضوح في السياسة الأمريكية لجهة تعاطيها مع ملفات المنطقة منها:
• أمن الحلفاء في الخليج: أرسل الرئيس «جو بايدن» في أواخر سبتمبر/ 2021، مستشاره للأمن القومي «جيك سوليفان» لإجراء محادثات مع شركائه الخليجيين الرئيسين. وفي هذه الأثناء، استضاف وزير الخارجية «أنتوني بلينكن» على مائدة مستديرة أعضاء من مجلس التعاون الخليجي في نيويورك في الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة.
أكَّد «بلينكن» لضيوفه ما تزال الإدارة الأمريكية «ملتزمةً بعلاقات مستدامة، وطويلة الأمد مع جميع شركائها في مجلس التعاون الخليجي»، فقد لُخِّصَ رد الفعل في السؤال الذي قيل إنَّ وزير الخارجية السعودي الأمير «فيصل بن فرحان» عرضه، حين قال «ما الخطة؟». ولا شكَّ أنَّ سؤال وزير الخارجية السعودي متعلِّق على وجه التحديد بمستقبل السياسة الأمريكية تجاه إيران، خصوصاً إذا انهارت مفاوضات إحياء الاتفاق النووي(). ومع تلك الجهود المبذولة من قبل إدارة «بايدن» لتطمين حلفائها في المنطقة، فإنَّها لم تتطرَّق إلى تفاصيل كافية حول ماهية السياسة الأمريكية في المنطقة، أو عن الكيفية التي تنوي بها إدارة «بايدن» المضي في صنع السياسات. إنَّ ما يحتاج إلى معرفته حلفاء الولايات المتحدة، وحتى (خصومها)، هو ما الذي ستحارب من أجله أمريكا؟! وما الذي لن تقاتل من أجله؟! وما الأهداف التي تنوي الولايات المتحدة تحقيقها للمنطقة في (10-15) سنة المقبلة، وغير ذلك من الأسئلة التي تحتاج إلى إزالة الشك والغموض عنها.
ومن ثَمَّ، فإنَّ غياب أجندة أمريكية واضحة تجاه حلفائها في المنطقة، هو أحد مظاهر ذلك الغموض في السياسة الأمريكية.