د. مفيد الزيديّ/ أستاذ الدراسات الخليجية – جامعة بغداد
لم يكن -في واقع الحال- لدولة قطر موقع سياسي، أو اقتصادي خليجي، أو عربي متميز إلى حد كبير، إلى أنّ وصل الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني (1995 – 2013) إلى الحكم في عام 1995، إذ شهدت الدوحة تغيرات في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والاستثمارية والإعلامية والثقافية والتكنولوجية والرياضية بصورة متسارعة، منحها مكانةً جديدةً في الساحتين الخليجية والإقليمية، مع التطلع المتنامي والطموح بأن يكون لها دور في الساحة الدولية.
وتحوَّلت قطر من «دولة صغيرة» في المفهوم الجيوبوليتيكي في النظام الإقليمي العربي، إلى دولة لها مكانتها الخليجية والإقليمية، وحقَّقت في ظل سياستها التي توصف بأنَّها «براغماتية» عديداً من الإنجازات، وثبَّتت أسساً راسخةً لنفوذها ومكانتها في المنطقة، ويرى المراقبون للشأن القطري أنَّ هذا التغيير في السياسة القطرية ربَّما يُعدُّ جديداً في المنظومة الخليجية مقارنةً بالإرث التاريخي لها، عن طريق سلطة تجد أنَّ مصلحتها في إجراء التغيير السياسي والاقتصادي والإعلامي؛ ولكن هناك حقيقة لا يمكن تجاهلها بأنَّ الحكم الجديد أدرك حقيقةً جيوبوليتيكيةً، وهي أنَّ قطر «دولة صغيرة» لها ارتباطات تاريخية في مشكلات حدودية مع جيرانها الأكبر، وهي المملكة العربية السعودية، إلى جانب مشكلاتها الحدودية التاريخية والتقليدية مع جارتها مملكة البحرين، وكان لا بدَّ من تجاوزها بالابتعاد عن شرعية حكم «المشيخة القبلية»، إلى انتهاج طريق التحول الديمقراطي، ومواجهة التحديات التكنولوجية العالمية، والثورة الصناعية الرابعة، وتحديات عصر العولمة، واستخدام الاستثمار للثروات النفطية والغاز الطبيعي، وتعزيز الوفرة المالية لتحقيق الاستقرار الداخلي، والرفاه الإجتماعي لدعم شرعية النظام وقوته، والتحول إلى مفهوم الريع النفطي، وإعادة توزيع الثروة على المواطنين على صورة مشروعات عمرانية وخدمية، ومرتبات وحوافز وقروض كبيرة هي الأعلى على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، ممَّا أدَّى إلى ارتفاع مستوى الدخل الوطني، والانتقال من عهد المشيخة إلى النظام السياسي المرتكز على التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
تهدف هذه الدراسة للتعرُّف على السياسة الخارجية القطرية في استخدام مشروع تحالف الحضارات، أحد أدوات «القوة الناعمة» ووسائلها لقطر وسط بيئة مضطربة ومتوترة، وفواعل إقليمية ودولية في منطقة إستراتيجية للقوى الكبرى، بحكم موقعها الجغرافي، وثرواتها النفطية والغازية وتجارتها العالمية، واستثماراتها الكبرى، وفرصها الاقتصادية.
أولاً: قطر ومفهوم تحالف الحضارات
يُعدُّ التواصــل بــين الحضــارات علــى مــر التــاريخ، من العناصر البــارزة فــي التطور الحضاري للإنسانية، وبرز التلاقح الحضاري بين حضارة وأخرى، فقد استفاد الإغريق من الحضارة المصرية، وتعلَّم الرومان من الحضارة الإغريقية، واستفاد العرب من الإمبراطورية الرومانية، وتعلَّمت أوروبا في العصـر الوسيط مـن الحضارة العربية والإسلامية ، فكان هـذا الحـوار بين الحضارات قديم عبر التاريخ؛ ولم يقتصر على حضارة واحدة، بل امتدَّ إلى ثقافات وحضارت أخرى سادها التلاقح الحضاري.
يسعى مفهوم تحالف الحضارات -في العصر الراهن- إلى محاربة حالة العداء والكراهية بين البشرية، وإلى تحديد مصالح مشتركة بين الأمم والشعوب؛ لتحقيق أهداف وطموحات هذه المجتمعات ، وتدعم المعرفة المتبادلة من قبل أصحاب تحالف الحضارات فكرة التواصل الفعَّال من أجل وضع خطاب مشترك لتحقيق أهداف التحالف، ويُعدُّ التعليم له الدور الرئيس في زيادة التفاهم تمكيناً للحوار الحضاري فيما بين الشعوب، وتتجلَّى عديد من الطرائق في التعليم لمحاربة التطرُّف، والتعصُّب، والغلو، والكراهية سواءً في الدين، أم المذهب، أم العرق، أم القومية، ممَّا يخلق التعليم بيئةً مناسبةً للحوار الذي يسعى تحالف الحضارات إلى اتخاذ الطرائق الكفيلة بمنع الأفراد والجماعات من اللجوء إلى التطرُّف، والعنف، في مواجهة تداعيات صِدَام الحضارات أو صراع الحضارات، والذي يخلق حالةً من الخوف، وعدم الاستقرار لدى الشعوب في عالم متغير اليوم.