back to top
المزيد

    الحرب الروسية الأوكرانية وتأثيرها في أسواق الطاقة: الحلول المقترحة والقيود المؤثرة

    READ IN: ENGLISH

    أ . د. عبدالصمد سعدون الشمري/   أستاذ العلاقات الاقتصادية الدولية – جامعة النهرين
    لم يعدِ الصراع الروسي الأوكراني وليد الحاضر، بل له من الآثار والبصمات التاريخية التي تعود لعصر الإقطاع الأوربي (العصور الوسطى) قبل بناء الدول القومية.
    واستمرت مشاهد الصراع القومي حتى في ظل الكونفدرالية السوفيتية لاعتبارات الوجود، والانتماء القومي؛ ممَّا أثَّر سياسياً على ملف العلاقات الروسية الأوكرانية حين شهدت أوْجَهَا عام 2014 حينما غزت روسيا شبه جزيرة القرم وضمتها سيادياً، إذ بلغت الخلافات ذروتها بعد أن تسنَّم السلطة في أوكرانيا الحزب اليميني المتطرِّف والمؤيِّد لانضمام أوكرانيا إلى منطقة اليورو، وهو ما أثار مخاوف القادة الروس من محاولة تقرُّبٍ لحلف الناتو نحو حدودها، والتمدُّد بصورة واسعة نحو الشرق الأوربي، وتطويق منطقة البلقان بوصفها منطقة «طاقوي» مهمة، ومؤثرة في سوق الطاقة العالمي.
    المحور الأول: أسباب الصراع الروسي الأوكراني وخفاياه
    تتعدَّد أسباب الصراع بين روسيا وأوكرانيا والتي ما زالت محورَ جدلٍ لا تتوقف عند رجالات النخبة السياسية، بل تتعدَّاها إلى السلوك السيسيولوجي لمجتمعات كلا البلدين، وقبيل بناء الدول القومية في أوروبا، إلا أنَّها ظهرت وبشدة كفوارق محفِّزة دفعت بالصراع على أوجه، إذ تمركزت على صورة عوامل تمحورت وَفْق الآتي:
    أولاً: العاملان التاريخي والثقافي
    فمنذ استقلال أوكرانيا عن الاتحاد السوفيتي عام 1991، لازمتها عوامل تاريخية كثيرة، حملت بين طياتها انقسامات داخل المجتمع الأوكراني، وأدَّت إلى ضعف البنى السياسية، وإعاقة تطوير الهوية الوطنية الأوكرانية، إذ إنَّ (الترويس) والاستيطان العرقي الروسي ومنذ قرون مضت قد ساهمت في حصول اللغة الروسية على الأولوية بوصفها لغة رئيسة، وتهميش اللغات الأخرى في عموم المجتمع مع تنوُّع الأطياف العرقية كالشيشانية واللتوانية والبولندية والنمساوية وسكان التتار الذين استوطنوا شبه جزيرة القرم وقتذاك، فقد أُكِّدَ استقلال أوكرانيا عن طريق استفتاء أُجْرِيَ في 1 ديسمبر 1991، وفي هذا الاستفتاء أيَّد (54%) من ناخبي القرم الاستقلال عن الاتحاد السوفيتي، ثم تبع ذلك تصويت عام 1992 من قبل برلمان القرم لإجراء استفتاء على الاستقلال عن أوكرانيا، ممَّا أدَّى إلى أزمة استمرت عامين حول وضع شبه جزيرة القرم، وفي الوقت نفسه، صوَّت مجلس السوفيات الأعلى لروسيا لإلغاء التنازل عن شبه جزيرة القرم لأوكرانيا، وبالمقابل وفي يونيو من العام نفسه، صوَّتتِ الحكومة الأوكرانية في كييف لمنح شبه جزيرة القرم قدراً كبيراً من الحكم الذاتي مثل جمهورية القرم المتمتعة بالحكم الذاتي داخل أوكرانيا.
    ثانياً: العامل الإثني (العرقيات في أوكرانيا)
    وَفْقاً للإحصاء الأوكراني لعام 2001، فإنَّ ما نسبته (57,2%) من سكان «دونباس» هم من أصل أوكراني، و (38,5%) من أصل روسي، و (4,3%) ينتمون إلى مجموعات عرقية أخرى، معظمهم من اليونانيين إذ يشكِّلون ما نسبته (1,1%) ومن البيلاروسيين الذين يشكِّلون ما نسبته (0,9%).  كما أكَّد ما نسبته (72,8%) من السكان أنَّ لغتهم الأم هي الروسية، في حين ذكر ما سبته (26,1%) أنَّها أوكرانية، فضلاً عن اللغات الأخرى التي تتحدث بها الأقليات العرقية بصورة رئيسة، والتي شكَّلت نحو (1,1%) من السكان.
    ووَفْقاً للإحصاء السكاني الأوكراني للعام نفسه، فقد شكَّل الأوكرانيون العرقيِّون (62,8%) من سكان (أوديسا أوبلاست)، في حين شكَّل العرق الروسي (20,7%). إذ أفادت التقديرات الإحصائية أنَّ (46,3%) من السكان كانت لغتهم الأم هي الأوكرانية، في حين شكَّلت نحو (41,9%) اللغة الروسية، ونحو (11,8%) حدَّدوا لغات أخرى، وتحديداً البلغارية والمولدافية. وهكذا استمرت روسيا بإستراتيجية التغيير الديموغرافي وَفْق الاتجاهات العرقية والثقافية للجانب الأوكراني.
    ثالثاً: العامل الجيوسياسي–اقتصادي
    أخذ حلفاء حلف الناتو في عام 1992 يفكِّر في زيادة أعضاء من وسط أوروبا وشرقها للمرة الأولى، فكان لأوكرانيا نصيباً أكبر بعد أن أقامت علاقات رسمية مع الحلف قبل مشروع الانضمام، إذ تُرْجِمَت بزيارة أمين عام حلف الناتو للعاصمة كييف، قابلها زيارة الرئيس الأوكراني (ليونيد كرافتشوك) لمقر الناتو في بروكسل.
    من عام 1994 إلى عام 2004 وإبَّان (10) سنوات كرئيس، ساعد (ليونيد كوتشما) في تحويل أوكرانيا من جمهورية سوفيتية إلى مجتمع رأسمالي، عن طريق خصخصة الشركات، والعمل على تحسين الفرص الاقتصادية الدولية، إلا أنَّه في عام 2000 اهتزت رئاسته بفضيحة تسجيلات صوتية كشفت أنَّه أمر بمقتل صحفي معارض، بقي بعدها في السلطة أربع سنوات أخرى. وفي عام 2008 استمرت جهود (يوشينكو وتيموشينكو) لضم أوكرانيا إلى الناتو، ممَّا أدَّى إلى طلب الاثنين رسمياً في يناير/ كانون الثاني بمنح أوكرانيا «خطة عمل للعضوية»، وهي الخطوة الأولى في عملية الانضمام إلى الحلف، وكان لهذه السياسة انعكاساتها على اقتصاد الطاقة.
    كنتيجة للضغط الدولي من أجل حل الأزمة، تفاوضت (تيموشينكو) على صفقة جديدة مع بوتين، واستؤنفت تدفقات الغاز في 20 يناير، إذ ما تزال دول كثيرة من أوروبا معتمدةً على الغاز الروسي حتى هذا اليوم.
    أعلن (يانوكوفيتش) في عام 2014 قبل أيام فقط من توقيعه اتفاق الانضمام إلى حلف الناتو أنَّه سيرفض التوقيع على اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي لإدخال أوكرانيا في اتفاقية تجارة حرة، وهذا التوجُّه جاء نتيجة للضغط من روسيا لنقض القرار، وهو ما أثار احتجاجات ضخمة في جميع أنحاء أوكرانيا -هي الأكبر منذ الثورة البرتقالية- مطالبة باستقالة (يانوكوفيتش).
    اجتمعت مجموعة مينسك مرة أخرى في بيلاروسيا في عام 2015 لإيجاد اتفاق أكثر نجاحاً لإنهاء القتال، ممَّا أدَّى إلى اتفاقية مينسك الثانية، بعد فشلها في إنهاء العنف منذ عام 2014 وحتى اليوم، إذ قُتِل فيها أكثر من (14000) شخص وجُرِحَ عشرات الآلاف، ونزح أكثر من مليون شخص.
    استمر القتال في (دونباس)، وهاجمت روسيا أوكرانيا مراراً وتكراراً في سلسلة من الهجمات الإلكترونية، بما في ذلك هجوم 2016 على شبكة كهرباء كييف الذي تسبب في انقطاع التيار الكهربائي بصورة كبيرة. وفي عام 2017، أثَّر هجوم واسع النطاق على البنية التحتية الأوكرانية الرئيسة، بما في ذلك البنك الوطني وشبكة الكهرباء. (استمرت الهجمات الإلكترونية من روسيا حتى الوقت الحاضر؛ واستهدف الهجوم الكبير الأخير مواقع حكومية في يناير 2022).

    لقراءة المزيد اضغط هنا