مفيد الزيديّ / أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة بغداد
يمكن القول إنَّ الغزو الأميركي للعراق في عام 2003 هو الإطار الذي حدَّد مستقبل العلاقات العراقية-الخليجية؛ إذ واجه العراق عديداً من التحديات، ومنها علاقاته الخارجية التي سعى لتحسينها، لا سيَّما مع دول مجلس التعاون الخليجي، إلى أن تحقَّقت المصالحة الخليجية في بداية عام 2021، حينما نجحت دول مجلس التعاون بالتوصل لمصالحة مع قطر في (قمَّة العلا) التي عُقِدَت في المملكة العربية السعودية.
وبذلك تهتم هذه الدراسة في محاولة فهم مدى تأثير المصالحة الخليجية على العلاقات العراقية-الخليجية في المستقبل.
في البدء لا بدَّ من الإشارة إلى أنَّ الغزو العراقي للكويت في 2 آب/ أغسطس 1990 أدَّى إلى حالة عدم توازن في العلاقات العربية–العربية، وأُصِيبَت علاقات العراق مع دول مجلس التعاون بالتوتُّر، مع ظهور أزمات إقليمية هدَّدت أمن واستقرار المنطقة واستقرارها، وصولاً إلى الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، الذي شكَّل مرحلةً جديدةً في النظام الإقليمي العربي بأسره. في حين سلك العراق سياسةً تقوم على بناء علاقات طيبة مع دول مجلس التعاون، ونجح في ذلك إلى حدٍّ كبير، إذِ اعتمدت السياسة العراقية بعد عام 2003 نهجاً يقوم على الابتعاد عن الخلافات والصراعات بين الدول، ومنها علاقاته مع دول مجلس التعاون، والتي سارت سيراً ودياً -بعد عام 2010- قائماً على المصالح المشتركة، وافتتح العراق سفارات له في تلك الدول، وبادرت هي الأخرى بعد سنوات إلى فتح سفارات لها في بغداد أيضاً.
ثم واجهت دول المجلس موقفاً محرجاً إزاء العراق، بعد أن تُوِّصِّلَ إلى اتفاقية بينه وبين الولايات المتحدة الأمريكية، نصَّت على انسحاب القوات الأمريكية في عام 2011، وبدء مرحلة جديدة في العلاقات العراقية-الأمريكية؛ كانت صورتها غامضة عند الخليجيين في تلك المرحلة، وعقدت دول المجلس قمةً في الرياض في 18 كانون الأول/ ديسمبر عام 2011، أكَّدت -في البيان الختامي- تخوُّفها من حدوث فراغ سياسي، أو أمني يتركه الوجود الأمريكي في البلاد، ممَّا قد يؤدِّي إلى عدم الاستقرار، واعتقدت أنَّ خروج القوات الأمريكية سيجعل من إيران دولةً إقليميةً كبرى في المنطقة، وتميل الكفَّة لها ممَّا يزيد من مساحة تدخُّلها في الشأن العراقي، مع وجود علاقات إستراتيجية ثابتة بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول المجلس بالأساس، انعكست في عهد إدارة الرئيس باراك أوباما في بناء تحالف أمني قوي ومتعدِّد الأطراف معها.
وكان توقيع الاتفاق النووي (5+1) بين إيران والدول الغربية في حزيران/ يونيو 2015 نقطةً فارقةً للولايات المتحدة الأمريكية، وفي إعادة رسم إستراتيجية للمنطقة، وبدأت مرحلة جديدة هي مرحلة التسويات السياسية التي تجسَّدت في لقاءات عقدت في قطر بمشاركة (الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، ودول مجلس التعاون الخليجي)، والتي حاولت واشنطن عن طريقها طمأنة دول الخليج بعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران بوجود رغبة حقيقية؛ لإنهاء الأزمات في المنطقة، وأنَّ الاتفاق يحوِّل إيران إلى دولة شريكة مهمة في حل أزمات المنطقة، وأكَّد جون كيري وزير الخارجية الأمريكي، بأنَّ الاتفاق النووي الإيراني سيعزِّز أمن دول الخليج «وأنَّ الحوار هو أفضل خيار فيما يتعلَّق بالملف النووي الإيراني، وأنَّ أمريكا ملتزمة بأمن منطقة الخليج واستقرارها»، مع الإشارة إلى إشراك إيران في هيكلة النظام الإقليمي، وإعادة رسم النظام الإقليمي الخليجي بما فيه ملف الإرهاب في العراق، والنظر في الإستراتيجية الأمنية الخليجية.
وكانت دول مجلس التعاون تعتقد أنَّ العراق بوضعه الذي وصل إليه يمثِّل مصدر عدم استقرار في منطقة الخليج، وقد يشكِّل عمقاً إستراتيجياً لإيران يؤثِّر على أمن دول المجلس، وربَّما يتحوَّل العراق في ظل سيطرة تنظيم «داعش الإرهابي» على أجزاء من أراضيه بعد عام 2014، إلى قاعدة للإرهاب تهدِّد دول المجلس، وقد يمتد خطره إلى أراضيها كما حصل في بعض العمليات الإرهابية في المملكة العربية السعودية والكويت عام 2015، فضلاً عن وجود هذا التنظيم في اليمن أيضاً، وهناك حاجة خليجية لمواجهة الإرهاب بعد أنِ انضمت دول المجلس لمكافحته في ظل التحالف الدولي، مع التأكيد على أهمية المسار السياسي لحلِّ الأزمات في العراق، ومنها إعادة بناء المؤسسات السياسية، وإقامة المصالحة الوطنية، والمخاوف من تأثير الأوضاع فيه لتشكِّل مخاطرَ على وحدته وتقسيم أراضيه، وربَّما انتقال أزماته إلى دول المجلس في المستقبل.