الملخص التنفيذي
القطاع غير المنظَّم في العراق من أبرز القطاعات التي تعمل على تشغيل الأيدي العاملة (الماهرة وغير الماهرة)؛ لأنَّ شروط التوظيف فيه لا تخضع للشروط نفسها التي يخضع لها القطاع المنظَّم.
تتوفَّر قاعدة إنتاجية كبيرة في القطاع غير المنظَّم، وهي تنتج مختلف السلع والخدمات وعلى المجالات والاختصاصات كافَّة، وتُعدُّ هذه القاعدة الإنتاجية محفِّزاً لعملية النمو الاقتصادي للمجتمعات، والأسواق المحلية.
اجتذب تطبيق الابتكارات التكنولوجية على صناعة التمويل (Fintech) عشرات المليارات من الدولارات على هيئة رأس مال في السنوات الأخيرة، وعند تطوير هذه الخدمات جنباً إلى جنب مع السياسات الحكومية التكميلية والأطر التنظيمية، فتصبح عندها القدرة على توسيع الخدمات المالية لمئات الملايين من الأشخاص الذين يفتقرون حالياً للوصول إلى التمويل وفي إدارة التمويل.
إنَّ اعتماد نهج تنظيمي سريع الاستجابة، بدلاً من نهج تدخلي مفرط، هو الإطار الأنسب لتعزيز الشمول المالي وإمكانية تحوُّل اقتصاد الظل إلى محفِّزٍ للناتج المحلي الإجمالي الحقيقي عن طريق الابتكار والتكنولوجيا المالية.
من الضروري أن تستوعب الحكومة العراقية –عن طريق السياسات الاقتصادية– عملية إدخال العاملين وجذبهم في هذا القطاع، وتحويلهم إلى القطاع الرسمي، والاستفادة منهم في عملية تعزيز النمو الاقتصادي المستدام وتحفيزه بما يقود إلى تطوير القطاع الخاص في البلاد.
ما زالت عمليات التحوُّل الرقمي للخدمات المالية في العراق ضعيفةً، قياساً بعدد الذين يستخدمون أجهزة الهاتف المحمول وشبكة الأنترنت، ومن ثَمَّ ضرورة التوجُّه الفعلي للجهاز المصرفي، وعلى رأسه البنك المركزي العراقي لتعزيز دور القطاع الخاص –خصوصاً اقتصاد الظل– عن طريق التعاون مع المصارف أو الشركات والمؤسسات المالية الأخرى بما يحقِّق عملية الشمول المالي، حينئذٍ نحصل على التكامل الواقعي والفعلي بين العاملين في اقتصاد الظل، وعملية تحقيق النمو الحقيقي المستدام وفي الوقت نفسه تعزيز دور القطاع الخاص في عملية تنشيط القطاعات الحقيقية محلياً.
المقدمة
تتميز هذه الورقة البحثية بأنَّها تدرس تأثير الابتكار التكنولوجي على القطاع المالي غير المنظَّم على ثلاث دول مختارة، هي: (كينيا، والهند، والصين) فضلاً عن العراق، إذ إنَّ التكنولوجيا المالية هي صناعة تُعرف عموما باسم (Fintech)، وسنركِّز هنا على كيفية قيام التكنولوجيا المالية بتوسيع الوصول إلى التمويل لملايين الأشخاص في الاقتصادات النامية، مع اهتمام خاص بدور الأطر التنظيمية في تسهيل هذه العملية، وهي تحليل نوعي لثلاث دراسات حالة استخدمت التكنولوجيا في السعي لتحقيق التمويل الشامل وتعزيز النمو المستدام لاقتصادات الدول النامية ، إذ إنَّ أنظمة الدفع غير النقدية في الهند وكينيا على سبيل المثال، والاقتراض بين النظراء في الصين قد حقَّقت نجاحات مهمة على واقع اقتصادات تلك الدول.
وعن طريق التحقيق الاستقرائي في درجات النجاح المتفاوتة عبر الحالات، ستُقدَّم الحجة القائلة بأنَّ تصميم بنية تنظيمية مناسبة أمر بالغ الأهمية؛ لتعظيم فوائد الابتكار التكنولوجي. وبتعبير أدق، هنالك حاجة إلى لمسة تنظيمية خفيفة في المراحل المبكرة لتشجيع الابتكار والتجريب. مع نمو القطاعات والشركات الناجحة لا سيَّما في الاقتصاد غير المنظَّم، إذ يجب على المنظَّمين تكييف البنية لفرض ضوابط ورقابة أكثر صرامة من دون إثقال كاهل القطاع بمتطلبات الامتثال المرهقة للغاية. ويمكن أن يؤدِّي تدخُّل الدولة المفرط أو سيِّئ التخطيط في أيِّ مرحلةٍ من العملية إلى نتائج عكسية.
ستبدأ الورقة البحثية -عموماً- بتعريف المصطلحات الرئيسة، ثم تناقش العلاقة بين التمويل الشامل والنمو الاقتصادي المستدام في البلدان النامية. ثم تسلِّط الضوء على إمكانات الابتكار التكنولوجي لزيادة الشمول المالي مع إمكانية تنظيم الاقتصاد غير الرسمي كأداة لتعزيز النمو الاقتصادي الحقيقي، مع إيلاء اهتمام خاص لأهمية الهيكل التنظيمي له. ونظراً لأن (Fintech) تنطوي على تقاطع كلٍّ من القطاعين المالي والتكنولوجي، فكيف ينبغي تنظيمها (كأداة مالية، أو أداة، أو شيء مختلف تماماً)، والتصميم المناسب للبنية التنظيمية هي ألغاز مهمة لواضعي السياسات والباحثين. تشكِّل هذه الألغاز أسئلة البحث الأولية التي نسعى إلى معالجتها مع التركيز الشديد على آثار السياسة الاقتصادية الكلية التي يمكن استخلاصها من دراسة تجارب الدول المختارة، ومدى الإفادة من الآثار الإيجابية والسلبية التي تعرَّضت لها تلك الدول عند التطبيق على واقع الاقتصاد العراقي.