علي عبدالرحيم العبودي / باحث في الاقتصاد السياسي
الملخَّص التنفيذي:
سوف ينتج عن العقوبات على روسيا التي بدأت باتخاذها فعلاً كلٌّ من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على قطاع الطاقة أزمةً عالميةً، ونقصاً في المعروض من النفط والغاز.
سوف ينخفض النمو العالمي لعامي 2022-2023؛ نظراً لعدم اليقين والفوضى التي يشهدها الاقتصاد العالمي الآن، وَفْقاً لدراسة بريطانية أكَّدت انخفاض النمو العالمي بمعدَّل (1%).
ستنمو الإيرادات المالية للعراق بنسبة نحو (200%) عن العام الماضي الذي بلغ متوسط سعر البرميل فيه نحو (74) دولاراً للبرميل، في حين ستنمو بنحو (375%) مقارنة بعام 2020، الذي بلغ فيه متوسط سعر برميل النفط (40) دولاراً.
سينسحب التضخُّم العالمي خاصة في المواد الغذائية إلى الاقتصاد العراقي، إذا ما علمنا أنَّ العراق يستورد من الخارج نحو (80%) من استيراداته الغذائية من الخارج.
سيزداد نزيف العملة الأجنبية من العراق، وخصوصاً الدولار نتيجة لارتفاع أسعار المواد الغذائية في العالم، والحاجة إلى تعويض نقص الإمدادات في الحديد، والمواد الداخلة في البنى التحتية.
المقدمة:
يشهد العالم اليوم أزمةً سياسيةً وأمنيةً واقتصاديةً أشبه ما تكون بأزمة الحرب الباردة (1947-1989)، إذ بعد التوترات والشد والجذب على مدار العقد الأخير بين روسيا من جهة، وأوكرانيا ومن خلفها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من جهة أخرى، فعلتها روسيا بإعلان الحرب على أوكرانيا بعد أن وصلت الأزمة ذروتها، ونظراً للتشابك والترابط المعقَّد الذي يتسم به النظام العالمي الحالي، والذي جعل بعض الكتَّاب أن تطلق عليه اصطلاحاً بـ»القرية العالمية»، ألقت هذه الحرب بظلالها على جميع النظام العالمي بشقيه السياسي والاقتصادي، لكن هذا التأثير لم يكن على درجة واحدة من القوة على مستوى الدول، إذ إنَّ بعضها قد تأثَّر اقتصادها تأثُّراً مباشراً مع بدأ الحرب، فيما كان التأثير طفيفاً وغير مباشر على بعضها الآخر .
ومع اتجاه الأزمة بالتصاعد والتوسُّع والتعقيد، لدرجة تهديد نسق النظام العالمي الحالي، بدأت الدول تتحسَّس أزمة اقتصادية عالمية جديدة، وهنا يتبادر إلى الذهن لكلِّ متخصِّصٍ بالشأن الاقتصادي العراقي تساؤلات عدِّة، أبرزها: ما مدى انعكاس الحرب الروسية-الأوكرانية على الاقتصاد العراقي؟ وإذا كان هناك تأثير، فما هي أهم القطاعات الاقتصادية التي ستتأثر تأثُّراً كبيراً سواءً إيجاباً أم سلباً؟
في الحقيقة، يتطلَّب إعطاء إجابة علمية وموضوعية لهذه التساؤلات أولاً، إعطاء لمحة حول كيفية عمل الاقتصاد العالمي، وثانياً، انعكاسات الحرب على مستوى الاقتصاد العالمي.
أولاً: لمحة حول نسق الاقتصاد العالميّ وعمله
مرَّ النظام الاقتصادي العالمي بمراحل عديدة حتى وصل إلى ما هو عليه الآن من التشابك والتشعب والتعقيد، هذا النسق الاقتصادي العالمي الذي نشهده حالياً بأسسهِ وقواعدهِ وعناصرهِ وفواعلهِ لم يأتِ اعتباطاً، بل جاء وَفْق تطور فكري ونظري عميق جداً. لذا يمكن تعريف النظام الاقتصادي العالمي الراهن بأنه «نسق يتكون من مجموعة الأسس والقواعد الفكرية التي تحكم العلاقات الاقتصادية بين الدول والفواعل من غير الدول»، إذ تسير هذه العلاقات الاقتصادية بين الدول في إطار الاعتماد المتبادل والتكامل الاقتصادي، وتبعاً لذلك يعمل الاقتصاد العالمي وَفْق تشابك وتكامل اقتصادي ومالي وخدمي بين الدول.