يحتفي المجتمع الدولي في شهر آذار/ مارس بالمرأة، متتبعاً أهم مكتسباتهنَّ في السياق السياسي والاجتماعي. تمثِّل المرأة 49% من سكان العراق، إذ قد أدَّى تغيير نظام الحكم فيه عام 2003 وما تلاها من أعمال عنف إلى زيادة نقط الضعف التي تواجهها النساء والفتيات العراقيات أثناء الصراع وما بعده. يمثِّل انعدام الأمن للمرأة في العراق أحد العوامل الرئيسة التي تقف حاجزاً في تحقيق المساواة بين الجنسين، وتعزِّز الوضع الراهن، ممَّا يعيق عملية السلام المجتمعي، إذ تعرَّض ما يقارب (15000) امرأة للعنف الأسري من قبل الأهل، والزوج، والأبناء، والأقارب في النصف الأول من عام 2021 فقط، ونتحدَّث عن الحالات التي استدعت تدخلاً أمنياً، بغض النظر عن عدد الحالات المخفية في المنازل. ولا يتوقَّف العنف ضد النساء عند حدود التعنيف الأسري فقط، إذ تعرَّضت المجموعات النسائية وناشطو المجتمع المدني الذين ظهروا بوصفهم قيادات بعد العام 2003 للتهديد المستمر -إن لم يُقتلوا في وضح النهار- في محاولة لنبذ أصواتهم، وتجنُّب جهودهم نحو النشاط السلمي، أو نحو المطالبة بالحقوق.
قادت المرأة العراقية -منذ بداية تغيير النظام- التغييرات على المستويين المحلي والوطني. تقود النساء نسبة مهمة من منظمات المجتمع المدني في العراق (بغداد، وإقليم كردستان، والبصرة، والنجف، والناصرية)، وحتى يومنا هذا يلعبنَ دوراً مهماً في الحفاظ على التماسك الاجتماعي في مجتمع يعاني من مشاكل كبيرة. كان افتقار العراق إلى المؤسسات الوظيفية يعني أنَّ منظمات المجتمع المدني كانت ضرورية للحفاظ على-الأرضية الأساسية- أثناء الاضطرابات التي أعقبت سقوط نظام صدام حسين، ومع ذلك، لم تنعكس هذه الجهود التي تقودها النساء في أي مظهر من مظاهر إشراكهنَّ في المصالحة الوطنية أو مشاركتهن السياسية مشاركةً واضحةً ومن دون إملاءَات أو تهديدات مستمرة. واجهت النساء في العراق عنفاً منهجياً من قبل الهيئات الحكومية، والعشائر، والجماعات المسلحة، ونتيجةً لذلك، ما زِلْنَ يجدنَ أنفسهنَّ مواطنات من الدرجة الثانية، فضلاً عن تأثير الأوضاع الاقتصادية السيئة المستمرة على عدم المساواة بين الجنسين الموجودة مسبقاً. يمكن تتبُّع أهم العوائق التي تُحجِّم من دور المرأة العراقية (من محورين)، الأول: يتمثَّل بالعقبات القانونية التي تعامل النساء على أنَّهن أقل درجة من الرجال، ولها ارتباط مباشر بزيادة العنف أو تعرُّض حياة النساء للخطر، والآخر: يتعلَّق بالبيئة الاجتماعية والسياق الثقافي العام الذي يعزِّز من تحجيم المرأة، بل يشجِّع في أحيان أخرى على إيذائها.
أولاً: قانون العقوبات العراقي (شرَّع العنف ضد النساء)
من بين القوانين الرئيسة التي تميِّز ضد النساء والفتيات في العراق هي المادة (41) من قانون العقوبات العراقي رقم (1) الَّذي نصَّ على «لا جريمة في ممارسة حق الزوج الشرعي مع زوجته»، بما في ذلك «تأديب الزوجة من قبل زوجها»، أمَّا المادة (128) فتوضِّح عدداً من الأسباب التي تؤدِّي إمَّا إلى تخفيف العقوبة أو إلغائها. وتُعفي المادة (398) من قانون العقوبات الجاني الذي ارتكب جريمةً بدافع «الشرف» من العقوبة تحت ما يسمى بـ»غسل العار» في المجتمعات المحلية. كما يمنح القانون الحرية لكل شخص يقوم باغتصاب ضحيته، ومن ثَمَّ يتزوَّجها، ويُعفى الجاني في هذه الحالة من الملاحقة القضائية. وهذا يدلُّ على تواطؤ قانون العقوبات العراقي -المشرّع عام 1969 والذي بقي دون تغيير حتى مع تغير النظام السياسي في 2003- العنف ضد النساء والفتيات، ويحفِّز الجناة على ارتكاب جرائمهم مع الإفلات المستمر من العقاب، ويترك النساء والفتيات الناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي من دون أي حماية قانونية.
تستند أحكام قانون العقوبات المذكورة آنفاً على افتراض أنَّ للرجال الحق في تأديب النساء والفتيات والأطفال، وتضع هذه المعايير القانونية النساءَ والأطفال تحت سلوك معين، فإن خالفوا سيتلقون عقوبات صارمة. يمنح قانون العقوبات العراقي -مع إيجابيته في مواد أخرى- السلطةَ الكاملة للذكور في «تطبيق القانون» داخل بيوتهم، وتُبرَّر الجرائم المتزايدة اتجاه النساء والأطفال بتردِّي الأوضاع السياسية والاقتصادية، مع أنَّ أوضاع العراق حالياً مقارنةً مع سنوات حروب طويلة، وحصار اقتصادي وغذائي، قد تكون هي الفضلى.