back to top
المزيد

    تداعیات مقتل القادة على مستقبل التنظيمات الإرهابية: (داعش) أنموذجاً

    READ IN: ENGLISH

    ترتكز الحركات السلفية الجهادية على قيادة قوية وجذابة، إذ تُظهر مراجعة لتاريخ الحركات الإسلامية في القرن الماضي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لعب العامل القيادي وخصوصاً القائد الكاريزمي دوراً مهماً في أداء التنظيم وكفاءتِه. تُعرَّف القيادة الكاريزمية بأنَّها القيادة التي تمتلك القوة والقدرة على إلهام أتباعها، في حين أنَّ هذه القدرات مستمدة فقط من قوة الشخصية والتزام الفرد.
    غالباً ما يعني استبعاد القيادة الكاريزمية وتصفيتها من المشهد بداية تراجع الحركات السلفية الجهادية. فعلى سبيل المثال، كان مقتل أسامة بن لادن في عام 2011 أكبر تحدٍّ للقاعدة في تاريخها. وقد لعبت شخصية ابن لادن الجذَّابة وشعبيته بين أعضاء القاعدة وبلاغته دوراً رئيساً في تعزيز الوحدة التنظيمية للقاعدة. فمع الإدانة العالمية للقاعدة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، أشاد عديد من المتعاطفين مع القاعدة بأفعاله. فوَفْقاً لبعض التقارير، بعد عام 11 سبتمبر، اختار عديد من المسلمين في العالم اسم “أسامة” لأطفالهم.
    وشكّل مقتل أسامة بن لادن، فضلاً عن إزالة الوجه الكاريزمي والموحَّد للقاعدة تحدياً للتنظيم كخليفة له. إذ كان افتقار أيمن الظواهري للكاريزما، وعدم قدرته على إدارة التنظيم وتوحيده؛ أحد الأسباب الرئيسة لضعف القاعدة على مدى السنوات العشر الماضية. لقد كان مؤسِّس القاعدة أسامة بن لادن يتمتَّع بشخصية جذَّابة، وكان يحظى بشعبية كبيرة بين أعضائه. وهذا العامل جعل خطاباته واسعة النطاق وعالمية، في حين كانت خطابات الظواهري ضعيفة للغاية، وعلى عكس ابن لادن، لا يظهر كمنظِّر للقاعدة بلهجة قوية. خطاب أيمن الظواهري، کخطبة الشيخ في المسجد للمصلين، أو تحليل ظاهرة من قبل أستاذ للطلاب. ونتيجة لذلك، لم تُدَاول خطابات الظواهري وتصريحاته على نطاق واسع في وسائل الإعلام.
    يعتقد عديد من المراقبين الدوليين أنَّه بعد اغتيال أسامة بن لادن، لم يتمكَّن أيمن الظواهري، خليفته وزعيم القاعدة الحالي، من إيصال التنظيم إلى مستوى عملياته السابق، وكانت عملية اغتيال ابن لادن بمنزلة ضربة كبيرة وشديدة للمجموعة. أيمن الظواهري، هو أحد العقول المدبِّرة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، إذ لم يكن عنده قط هالة ابن لادن المروِّعة من حوله. ويعتقد “باراك مندلسون”* -الأستاذ في جامعة هاوفورد في بنسلفانيا- أنَّ نواة القاعدة هي الآن مجرد “ظل” لما كانت عليه في السابق، وأنَّ “أعظم إنجازات” الظواهري هي “إبقاء القاعدة على قيد الحياة”. ووَفْق “باراك مندلسون” لم تلتزم مختلف فروع تنظيم القاعدة بقيادة الظواهري، واختزلت قيادة القاعدة إلى “مجلس الشوری”. أصبحت القاعدة -واقعاً- أكثر لا مركزية، وسلطاتها منوطة إلى حدٍّ كبير بقادة الجماعات التابعة.
    لذا يمكن القول إنَّه مع تنحية أيمن الظواهري واستبدال شخص آخر، لن تضعف القاعدة فحسب، بل هناك إمكانية لتقويتها. إذ قد يكون ظهور شخصية جذَّابة کأسامة بن لادن عاملاً مهماً في زيادة قوة القاعدة في المستقبل. لذا يمكن القول، ستلعب شخصية زعيم القاعدة الجديد دوراً مهماً في أوضاع هذا التنظيم الجهادي. يمكن للتغيير في مستوى قيادة القاعدة وظهور زعيم كاريزمي أن يؤدِّي إلى إضعاف (داعش) بل وحتى تراجعها؛ لأنَّ القائد الكاريزمي يمكن أن يجذب عدداً من عناصر تنظيم (داعش) .
    لقادة الجماعات السلفية الجهادية -واقعاً- دور رئيس في تحديد سياسة التنظيم، ووَفْق سماتهم الشخصية يمكنهم تحسين مكانة التنظيم أو التسبُّب في تراجعه أو إضعافه. فعلى سبيل المثال، اتبعت “بوكو حرام” سياسة الدعوة السلمية في عهد محمَّد يوسف، زعيم الجماعة ومؤسِّسها، ولكن مع صعود أبو بكر شيكاو إلى السلطة، أصبح نهج الجماعة أكثر راديكالية وقائماً على الجهاد المسلح. كما أدَّى مقتل أبو بکر البغدادي في عام 2019 إلى إضعاف تنظيم (داعش) في العراق وسوريا؛ لأنَّ أبو بكر البغدادي بنى (داعش) على أفكاره، وقدَّم شخصيةً كارزماتية؛ بسبب إنشاء الدولة الإسلامية، وتقليد أسلوب الخلفاء الراشدين، بما في ذلك التأكيد على سلالة قريش وإلقاء الخطب، وتكوين مجموعات مختلفة من الدواوین.
    تُسلِّط هذه الورقة التحليلية الضوءَ على مستقبل تنظيم (داعش) في العراق وسوريا بعد مقتل أبو إبراهيم القريشي، خليفة أبو بكر البغدادي. وفرضية البحث هي أنَّ أحد المكونات التي تؤثِّر على مستقبل (داعش) يعود إلى خليفة أبو إبراهيم القريشي. إذا كان أبو الحسن القريشي الزعيم الجديد يتمتَّع بشخصية كاريزمية وكان أداؤه أفضل من أبو إبراهيم القريشي، فسيكون تنظيم (داعش) أقوى ممَّا كان عليه في العامين الماضيين، لكن القيادة الضعيفة يمكن أن تسرِّع في انحدار (داعش) على المدى المتوسط.

    لقراءة المزيد اضغط هنا

    علي نجات
    علي نجات
    علي نجات (سيد على نجات)، کاتب وباحث متخصص في شؤون الشرق الأوسط مع الترکیز علی الحرکات الإسلامیة في العالم العربي، حائز علی ماجستیر في دراسات الشرق الأوسط وشمال أفریقیا من جامعة العلامة الطباطبائي في طهران.