المؤلفون: توبياس فون لوسو، هو زميل باحث في وحدة أبحاث الاستدامة التابعة لـكلينجينديل
بيتر شوارتزشتاين، صحفي ومستشار بيئي متخصص في الشرق الأوسط وإفريقيا. زميل عالمي في مركز ويلسون
حسن بارتو، مدير برنامج في فرع إدارة ما بعد الصراع والكوارث التابع للأمم المتحدة للبيئة (قسم النظم البيئية/ PCDMB)
بعد أكثر من (40) عاماً من الصراع المتقطع والديكتاتورية والتدخُّل الأجنبي، مزَّقتِ الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والتوترات الطائفية والعرقية العراقَ، وتآكل التماسك الاجتماعي فيه، والتي قد يساهم بعضها بتعزيز العنف. لكن منذ الهزيمة الإقليمية لما يسمَّى بالدولة الإسلامية (داعش) في عام 2017، شهد العراق قليلاً من الأعمال العدائية الكبرى، مع استمرار التنظيم المتطرِّف (داعش) في ترويع مناطق معينة، ومع تدهور فرص العمل وجودة الخدمات الأساسية، امتدَّ الغضب الشعبي إلى احتجاجات ضد الطبقة السياسية والنظام الذي لا يثق به معظم العراقيِّين، ويَرونَ أنَّه غير قادر على تلبية احتياجات السكَّان. تضيف الصراعات الجيوسياسية العالمية والإقليمية إلى هشاشة السلام الذي يبدو هشاً هشاشةً متصاعدةً.
العراق -في ظلِّ هذه الخلفية- هو أحد أكثر البلدان التي تعاني من مشاكل استنزاف الموارد والمناخ والبيئة، والتي تؤدي إلى تفاقم الأزمات الحالية. أدَّى الجفاف الشديد إلى تفاقم فشل خدمات إمدادات المياه في الجنوب. تؤدِّي الحرارة الشديدة التي تتعدَّى (50) درجة مئوية أحياناً، إلى إرهاق شبكة الكهرباء التي هي أساساً غير قادرة على تلبية الطلب، ممَّا يؤدِّي بصورة متكرِّرة إلى تعريض الملايين من الناس الى درجات حرارة خطرة من دون خدمات للتخفيف منها. يهدِّد نقص المياه وتغيُّر المناخ والتدهور البيئي تهديداً مباشراً حياةَ الناس وسبل عيشهم وساعد في تحفيز عدم الاستقرار والتعبئة الجماهيرية، لا سيَّما في البصرة في عام 2018. يعاني عديد من العراقيِّين معاناةً متصاعدة من الأمراض المرتبطة بالحرارة أو أمراض الجهاز التنفسي مع اشتداد الغبار والعواصف الرملية. الزراعة والثروة السمكية هما الركيزتانِ الأساسيتان للاقتصاد الريفي والألواح الحيوية في محاولة الدولة للتنويع بعيداً عن قطاع النفط، وتتأرجح هاتانِ الركيزتانِ في ظل ظروف أصعب.
في ظلِّ حرائق الغابات والفيضانات التي تلتهم البنية التحتية في الشمال، وحالة المياه الشنيعة خصوصاً في الجنوب، ما زال عدد قليل من الناس غير متأثرين بهذه التغييرات. مع اختلاف شدَّة التدهور البيئي وطبيعته في جميع أنحاء البلاد، إلا أنَّ هذه القضايا تتقاطع مع الخطوط الطائفية والأيديولوجية والجغرافية والاجتماعية والاقتصادية بطرائق لا تفعل تأثيرها سوى قليلٍ من الموضوعات الأخرى. نتيجة لذلك، إنَّ عديداً من الفرص للحوار على مستوى الدولة التي يمكن أن تسهم في جهود بناء السلام في جميع أنحاء العراق.