back to top
المزيد

    العيش بعيداً عن الأنظار: ما تبقى من أُسرٍ نازحةٍ في العراق

    بسمة علوش / مسؤولة الدعوة والتواصل في «المجلس النرويجي للاجئين» في الولايات المتحدة
    ما تزال آلاف العائلات ذات الانتماءات لـ(داعش) حقيقيةً كانت أم متصوَّرة، متناثرة في جميع أنحاء العراق، ومستقبلهم مجهول. تعرِّض سياسة العقاب الجماعي غير الرسمية أو غير المباشرة المنتهجة من قبل الحكومة العراقية، مستقبل العراق للخطر، ويمكن أن تؤدِّي إلى تعزيز عدم الاستقرار. يُعتقد أنَّ ما يقرب من (300 ألف) نازح عراقي داخلي درجة معينة من الانتماء لـ(داعش)، فعلى سبيل مثال قد يكون أحد الأقارب انظمَّ فعلاً لصفوف (داعش). فإنَّ هؤلاء  (300 ألف) ليس عندهم ديار للعودة إليها، أو يفتقرون إلى الوثائق المدنية الرسمية، أو لا يمكنهم ممارسة حقوقهم الأساسية. خياراتهم الوحيدة هي البحث عن ملاذ في مواقع غير رسمية على أطراف المراكز الحضرية، إذ يمكنهم أن يختفوا عن الأنظار، وهم باقون في مخيماتٍ معدودةٍ غير مؤمَّنة، والتي ما تزال مفتوحة مؤقتاً، أو العيش على أطراف مناطق أخرى بعيدة عن المراكز الحضرية، محرومون من العودة إلى ديارهم. فضلاً عن الممارسات التمييزية للحكومة تمنع وصمة العار الاجتماعية أيضاً هذه الفئة السكانية الفرعية من الاندماج في المجتمع العراقي. حتى الأطفال لم يسلموا من هذه العقوبة، ويُنبذون من مجتمعاتهم بسبب جرائم آبائهم المزعومة.
    أشارت الحكومة العراقية ابتداءً من عام 2018 عن نيتها بإغلاق جميع مخيمات النزوح في أنحاء العراق كافة. كان ذلك بدافع سياسي لدفع العائلات إلى التصويت من مناطقهم الأصلية، وتعزيز مشاركة الناخبين. إذ يمكن إجراء الانتخابات المقرَّرة في الوقت المحدد، والذي حدث أيضاً بعد وقت قصير من إعلان الحكومة هزيمة (داعش). أثار هذا غضب المؤسسات الإنسانية واستياءها، إذ كان سقف الاحتياجات ما يزال مرتفعاً، ولم تكن ظروف البلاد صالحةً لترك النازحين بمفردهم من دون عون، فقد كان هنالك متفجرات وألغام غير منفجرة في عديد من المناطق، وكان إعادة بناء البنية التحتية المتضررة بطيئاً، لم يكنِ الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه ثابتاً. ومع ذلك، فقد كانت الحكومة -بحلول عام 2020- قد نفَّذت سياسة إغلاق المخيمات، وطردت أكثر من (100 ألف) من سكَّان المخيمات بالقوة. والآن، وبعد أربع سنوات من إعلان العراق انتصاره على تنظيم (داعش)، فإنَّ الحكومة العراقية مصممة على إنهاء الجهود الإنسانية، والانتقال بالعراق إلى مرحلة ما بعد الصراع، مع التركيز على التنمية لجذب المزيد من الاستثمار الأجنبي. ومع ذلك، فإنَّ عديداً من العائلات التي يُعتقد أنَّها ذات انتماءات لتنظيم (داعش) عالقة في متاهة، من دون أي وسيلة لإنهاء نزوحهم. سينتهي نزوح هذه العوائل حينما تُلبَّى احتياجات هذه الفئة السكانية الفرعية، وتمكُّنهم من العودة إلى ديارهم أو العيش في مكان من اختيارهم. وبعد تحقُّق ذلك سوف يكون العراق على طريق الانتعاش الدائم والمستقبل المستقر.
    فقد قوبلت بعض العائلات ذات الانتماءات المتصورة لتنظيم (داعش) -بدءاً من عام 2019- بالعنف، واضطرت إلى الفرار مرة أخرى حينما حاولوا العودة إلى ديارهم. ووَفْقاً لرئيس منظمة عراقية غير حكومية في الموصل، فإنَّ مختاراً من «السلامية» اتصل به بعدما طُرِدَ من أحد المعسكرات المغلقة ذاكراً أنَّ «عشيرته متهمة بالانضمام إلى داعش في البعَّاج، ودَمرت قواتُ الأمنِ منزله، بدافع الانتقام، ولا يوجد في بلدته أي خدمات عاملة، والميليشيات الإيزيدية قريبة منها»، ووَفْق قوله: «كان الرجل العجوز يبكي لأنه لا يعرف ماذا يفعل أو إلى أين يذهب». وكما رأينا في عديد من الحالات، فإنَّ النازحين داخلياً عالقون بين السياسات التي تجبر الناس على الخروج من المخيمات والوصمة العار الاجتماعية والتهديد بالعنف الانتقامي الذي يمنعهم من العودة إلى ديارهم. هذا النمط من أنماط العقاب الجماعي، حيث إذا اتُهِمَ أحد أفراد الأسرة بالانضمام إلى (داعش) يُنبذُ سائر أفراد الأسرة، ممَّا أدَّى إلى إعادة توطين آلاف الأشخاص في مناطق متخلفة في ضواحي المدن من دون الحصول على المساعدة.
    تلعب الدولة أيضاً دوراً في هذا العقاب الجماعي. إذ يُوضع الأشخاص المتهمون أو المشتبه بهم بمساعدة (داعش) على قائمة أمنية تسيطر عليها الحكومة -معدومة الشفافية من ناحية كيف ولماذا يُضاف الأشخاص إلى هذه القائمة؟!- وعند الأشخاص المدرجة أسماؤهم في القائمة سبل محدودة للاستئناف. مع ذلك، تفرض قوات الأمن على الأشخاص الموجودين في هذه القوائم الأمنية تنفيذ سلسلة من الإجراءات متعلقة وغير متعلقة بالقانون، يُشار إليها مجتمعة بــــــ»التبرئة». دُمِجت التبرئة المتجذرة في الممارسات العشائرية في أجزاء من العراق، في النظام القانوني الرسمي، إذ يقدِّم فرد شكوى جنائية يدين فيها قريبه أو قريبها بسبب انضمامه إلى تنظيم (داعش) أو مساعدته. وصفت وكالات الإغاثة التي قُوبلت في هذا المقال كيف أنَّ التبرئة -حتى قبل التقدُّم بطلب للحصول على تصريح أمني- هي الآن شرط مسبق للعائلات للتقدُّم لمجموعة من الإجراءات الإدارية، بما في ذلك الحصول على بطاقات الهوية المدنية. يشعر عديد من الرجال والنساء بالضغط، في الغالب من قبل الجهات الأمنية المحلية، من أجل «التبرئة» لأنَّها طريقتهم الوحيدة لإعادة بناء حياتهم. ومع ذلك، ترفض بعض النساء القيام بذلك لأنَّهن لا يرغبنَ في خيانة أزواجهنَّ وأبنائهنَّ أو خوفهنَّ من انتقام أسرة الزوج. كما تتردَّد عديد من النساء للقيام بـ»التبرئة» خوفاً من أن تُستغلَّ من قبل قوات الأمن والمحاكم. فضلاً عن ذلك، ليس هناك ما يضمن بأنَّ النساء الحاصلات على «التبرئة» سيثقبلنَّ مرة أخرى في مجتمعاتهنَّ لأنَّه عامل واحد فقط من عديد من العوامل التي تحدِّد ما إذا كان المجتمع المحلي سيقبلهنَّ. تعدُّ «التبرئة» عقبةً أخرى يتعيَّن على هذه الفئة السكانية الفرعية في العراق التغلُّب عليها قبل أن يتمكنوا من العودة إلى ديارهم أو الاندماج في منطقة نزوحهم الحالية أو إعادة توطينهم.

    لقراءة المزيد اضغط هنا