ميريسا كورما/ مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز ويلسون
كثيرٌ من المحللِّين العرب غير مقتنعين بـ»الهستيريا» الغربية بشأن الأزمة الأوكرانية. ، سيكون للنزاع الروسي-الأوكراني -بطريقة أو بأخرى- تأثيرات في جميع أنحاء المنطقة.
مع استمرار سيطرة الأزمة الروسية-الأوكرانية على عناوين الأخبار على مستوى العالم، تراقب أركان مختلفة من العالم عن كثب، في انتظار معرفة ما إذا كانت روسيا ستغزو أم ستوقِف التصعيد. كان العالم العربي أحد هذه الأركان، التي حظيت باهتمام أقل. على غرار المناطق الأخرى، سوف يتأثر بأكثر من طريقة. أولاً، ما تزال المنطقة العربية مسرحاً لمنافسة القوى العظمى، وتحديداً بين روسيا والولايات المتحدة. ثانياً، هي موطن لبعض أكبر منتجي النفط والغاز في العالم، والذين يتأثَّر مستقبل إنتاجهم من الطاقة بالتوترات المتزايدة ونتائج الأزمة. فضلاً عن تأثير الارتفاع الكبير لأسعار النفط في الأيام الأخيرة على الأسواق المالية في دول الخليج العربي، إذ تحرَّكتِ الأسهم في اتجاهات مختلفة كردِّ فعل على «التوترات الجيوسياسية في أوروبا الشرقية». أمَّا البلدان المستوردة للطاقة مثل الأردن ولبنان، فإنَّها تربط أسعار الوقود المرتفعة ارتباطاً وثيقاً بالقلق السياسي في الداخل. ثالثاً، من المحتمل أن تعاني عديد من الدول العربية من نقص الغذاء إذا اندلعت الحرب، لأنَّ كلاً من روسيا وأوكرانيا من بين أهم مصادر واردات الحبوب.
التصورات ومنافسة القوى العظمى
سيعزِّز أيُّ تشجيعٍ لروسيا من داخل أوروبا من وجودها في سوريا، إذ دعمت الرئيس «بشَّار الأسد» وأبقته في السلطة طوال العقد الماضي. يحدث هذا على خلفية ما يراه عديد من المحلِّلين العرب على أنَّه انسحاب أمريكي من المنطقة. وبسهولة، فإنَّ هنالك المزيد من الأسباب والفرص للانحياز بقوة أكبر نحو روسيا في نظر عديٍد من الحكومات العربية. أشار الكاتب المصريّ «طارق عصمان» إلى أنَّ روسيا «تحاول ملء بعض الفراغ» الذي خلَّفه تراجع الوجود الأمريكي «في شرق البحر المتوسط والأجزاء الأكثر اضطراباً في شمال إفريقيا»، وكذلك «في بعض الدوائر ذات الصلة لأمن الخليج»، بما في ذلك توثيق التعاون بين روسيا والسعودية والإمارات العربية المتحدة. وأضاف «عصمان» أنَّ الدول العربية «تدرس الوضع في أوكرانيا لتقييم ما إذا كانت أمريكا ستظهر قواها بالفعل-والأهم من ذلك، الإبداع-من أجل حرمان روسيا من الوصول لأهدافها»، وإلَّا «ستحصل روسيا على ما تريد».
في الوقت الحالي، لو ألقينا نظرة سريعة على العناوين الرئيسة والتحليلات في وسائل الإعلام العربية، في كثيرٍ من الحالات، سنرى كيف «يقرأ» العرب التوترات الجيوسياسية في أوروبا وكيفية تعامل إدارة «بايدن» مع الأزمة في أوكرانيا. تؤطِّر بعض العناوين ومقالات والآراء الأزمةَ من منظور «التصعيد الأمريكي» تجاه روسيا، وهذا تناقض صارخ مع نظرة التقارير ووسائل الإعلام الأمريكية والغربية للأزمة. اقتبس أحد المحلِّلين كيف أنَّ الأزمة الأوكرانية الروسية تقدِّم درساً مهمّاً حول قوة وتأثير ما يسميه «آلة الإعلام الأمريكية والغربية»، و «الهستيريا» التي خلقتها حول الغزو الروسي. الأمر الذي دفع حتى وزير الخارجية الأوكراني للحث على التهدئة.
على حدِّ تعبير كاتب عربي آخر في صحيفة أخبار الخليج اليومية التي تصدر في البحرين، فإنَّ أمريكا وحلفاءَها في (الناتو) «يخوضون صراعاً مفتوحاً مع روسيا حول أوكرانيا ويصعِّدون الوضع إلى حافَّة الحرب بذريعة أنَّ روسيا تهدِّد استقلال أوكرانيا». أخبرتني محلِّلة مقيمة في عمان ولها معرفة عميقة بروسيا في المنطقة أنَّ معظم تغطية الأزمة الأوكرانية في وسائل الإعلام العربية يُعاد تدويرها من الأخبار أو التقارير الصادرة عن الصحف الدولية الكبرى. وقالت: «نادراً ما نرى نصوصاً مهمة عن النيات العسكرية الروسية في أوكرانيا». العامل الآخر الذي يعزِّز صورة روسيا في المواجهة مع الغرب هو أنَّ معظم العرب ينظرون إلى روسيا من منظور التحالفات القديمة التي أقامها السوفييت في جميع أنحاء المنطقة. وأشارت إلى أنَّه «يرى كثيرون في هذا الصراع صراعاً داخلياً بين روسيا وأوكرانيا».