روبرت بيرسون/ أستاذ مشارك في العلاقات الدولية في الأكاديمية العسكرية الأمريكية ومدير منهج الشؤون الدولية في ويست بوينت
مايكل ماكفول/ سفير الولايات المتحدة السابق في روسيا، وهو أستاذ العلوم السياسية بجامعة ستانفورد، ومدير معهد فريمان سبوجلي للدراسات الدولية
بدأ الغزو الروسي لأوكرانيا. ويريد الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» منكم أن تصدِّقوا أنَّ هذا خطأ الناتو. لقد ادَّعى مراراً (بما في ذلك مرة أخرى في خطاب موجَّه إلى الأمة مع بدء هذا الغزو) أن توسع الناتو -وليس 190.000 جندي وبحارة روسي حُشِّدوا على حدود أوكرانيا- هو المحرك الرئيس لهذه الأزمة. بعد مقال جون «ميرشايمر» الاستفزازي في الشؤون الخارجية لعام 2014 الذي يجادل في أنَّ «أزمة أوكرانيا هي خطأ الغرب»، أصبحت حكاية رد الفعل الروسي العنيف ضد توسُّع الناتو إطاراً مهيمناً لشرح -إن لم يكن لتبرير- حرب موسكو المستمرة ضد أوكرانيا. كُرِّرتْ هذه الفكرة من قبل السياسيين والمحللين والكتاب في الولايات المتحدة وأوروبا وأماكن أخرى. وهم يجادلون بأنَّ جولات التوسيع المتعددة أدَّت إلى تفاقم شعور روسيا بانعدام الأمن مع زحف قوات الناتو تقرُّباً من الحدود الروسية. والذي بدوره أدَّى إلى استفزاز «بوتين» ودفعه للهجوم بعنف، أولاً عن طريق غزو جورجيا في عام 2008، ثم أوكرانيا (شبه جزيرة القرم) في عام 2014، والآن غزو ثانٍ لأوكرانيا، ومن المرجَّح أن يكون أكبر بكثير. عن طريق هذا السرد، يشير شبح عضوية أوكرانيا في الناتو إلى كلٍّ من أسباب الصراع وحلِّها (سحب عضوية أوكرانيا من على طاولة المفاوضات، هكذا سينتهي الجدل، وتُمنع الحرب.
هذه الحجة بها عيبان، أحدهما يتعلَّق بالتاريخ والآخر في تفكير «بوتين». أولاً، لم يكن توسُّع الناتو مصدراً ثابتاً للتوتُّر بين روسيا والغرب، بل كان متغيراً. ازدادت أهمية القضية وانخفضت ليس بسبب موجات توسع الناتو في المقام الأول، ولكن بسبب موجات التوسع الديمقراطي في أوراسيا على مدار الثلاثين عاماً الماضية. في نمط واضح للغاية، ارتفعت شكاوى موسكو بشأن الناتو بعد تَوسُّع الديمقراطية. في حين ضمنت الغزوات والاحتلال المأساوي لجورجيا وأوكرانيا لـ»بوتين» حكم الأمر الواقع على الأرض عكس تطلعات الناتو؛ لأنَّ الحلف لن يسمح أبداً بدولة تحت الاحتلال الجزئي من قبل القوات الروسية بالانضمام. هذه الحقيقة تقوِّض ادِّعاء «بوتين» باستهداف الغزو الحالي لعضوية أوكرانيا في الناتو. لقد منع -فعلاً- توسُّع الناتو لجميع المقاصد والأغراض، وبذلك كشف أنَّه يريد شيئاً أهم في أوكرانيا اليوم، هو: نهاية الديمقراطية وعودة التبعية.
يسلِّط هذا الواقع الضوءَ على الخلل الثاني: نظراً للتهديد الأساسي لـ»بوتين» ونظامه الاستبدادي هو الديمقراطية، وليس الناتو، فلن يختفي هذا التهديد المتصوَّر بطريقة سحرية مع وقف توسُّع الناتو. لن يتوقف «بوتين» عن السعي لتقويض الديمقراطية والسيادة في أوكرانيا أو جورجيا أو المنطقة ككل، حتى وإن توقَّف الناتو عن التوسُّع. طالما يمارس المواطنون في البلدان الحرة حقوقهم الديمقراطية في انتخاب قادتهم وتحديد مسارهم الخاص في السياسة الداخلية والخارجية، فسيبقيهم «بوتين» في مرماه.