مها ياسين/ زميلة باحثة في مبادرة أمن الكوكب، معهد كلينجينديل
ترتفع درجة حرارة المناخ في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أسرع بمرتين من متوسط ارتفاع درجة الحرارة العالمية، لكن في العراق، ذلك يحدث أسرع بمرتين إلى سبع مرات. مع أنَّ الجفاف ظاهرة طبيعية في المنطقة، إلَّا أنَّ الاحتباس الحراري يزيد من التحدِّي الذي يواجه الأشخاص الذين يعيشون هناك للتكيُّف مع شحَّة المياه. حدَّدتِ الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في أحدثِ تقرير لها المنطقةَ بأنَّها شديدة التأثُّر بتغيُّر المناخ، ويُعْزَى ذلك أساساً إلى ارتفاع درجات الحرارة، وتراجع موارد المياه، فضلاً عن أعمال العنف المتكرِّرة في المنطقة -بفعل الصراعات السياسية والحروب- إذ تُزيدُ من تعقيد جهود الاستجابة لهذه المشاكل.
الاستجابات لتأثيرات المناخ
من الأمثلة المعروفة لما يمكن عدَّه صراعاً ناجماً عن المناخ، الاحتجاجات العنيفة لعام 2018 التي اندلعت في البصرة -جنوب العراق- إذ أدَّت موجات الحَر الشديدة إلى تدهور إمدادات المياه في نهر شط المدينة الرئيس-شط العرب-. في عام 2019، أعقب هذه الاحتجاجات التي قادها الشباب من أجل تحسين الخدمات سلسلة من المظاهرات الشعبية في جميع أنحاء البلاد للمطالبة بإصلاحات اقتصادية واجتماعية وسياسية كبرى تُعرف باسم حركة تشرين.
تغيُّر المناخ ليس الجانب الوحيد الذي يسبِّب مشكلات في إمدادات المياه والقضايا ذات الصلة مثل تلوث المياه والتصحر. هذه المشكلات ناتجة عن سلسلة من القضايا المتشابكة، والتي منها سوء إدارة المياه إلى الفساد المؤسسي.
ومع الجهود الأخيرة التي بذلتها الحكومة العراقية للمصادقة على اتفاقية باريس وزيادة الطموح في محادثات المناخ COP26، التي استمرت العقود الماضية من التراخي في إحباط نشطاء المناخ العراقيين. يمكن أن يُعزَى ذلك إلى الانشغال بالصراعات المسلحة والسياسية داخل البلاد، والفشل في الاعتراف بتغيُّر المناخ بوصفه تهديداً أمنياً للعراق.
بدأت عديد من المنظمات غير الحكومية والحملات التي يقودها الشباب -بدافع من المخاوف بشأن مستقبلهم- مشاريع مثل: زراعة الغابات، والرصد، وزيادة الوعي. ومع ذلك، فإنَّ هذه الجهود ليست كافية لوقف اتجاه الآثار المدمرة الناجمة عن المناخ، كالتصحُّر على نطاق واسع وأثر المياه المالحة على حياة مواطني جنوب العراق. في السنوات العشرين الماضية، ارتفع عدد مواطني مدينة البصرة، ثاني أكبر مدينة في العراق، إلى حوالي ثلاث ملايين نسمة. ومع أنَّ الزراعة ليست أكبر قطاع اقتصادي في هذه المنطقة، إلا أنَّ منطقة البصرة الكبرى تستضيف عديداً من المجتمعات الزراعية. تجد هذه المجتمعات بسبب التصحُّر صعوبةً متزايدةً في العيش على عائدات الأنشطة الزراعية. في الغالب في جنوب العراق، تفقد البلاد 250 كيلومتراً مربعاً من الأراضي الصالحة للزراعة كل عام، ممَّا يجبر عديد من المزارعين على الهجرة إلى المناطق الحضرية.