تعيش الإنسانية مرحلة حضارية جديدة تتسم بالسرعة والتغيُّر والتغيير حتى إنَّنا لنجد جديداً في كل يوم يفرض علينا تحديات كبيرة وخطيرة مثلما يحمل لنا كثيراً من الإضافات الحياتية الإيجابية التي تجعل حياتنا أجمل وذا فائدة، فمع بروز «الإنترنت» في ثمانينيات القرن العشرين، وما أحدثه من ثورة كبيرة في التاريخ الإنساني، أسهمت في دخول العالم إلى مرحلة تاريخية جديدة ومختلفة عن سابقاتها، ومهَّدت للـ«سيبرانية» و«إنترنت الأشياء» و«الذكاء الاصطناعي»، وقد أصبحت هذه الثلاثية التي نجدها وحدةً متكاملةً يغذِّي بعضها الآخر، ويطوِّر بعضها الآخر، ويسهم في تشكيل عالم أخَّاذ، يُوصف بــ(عالم الميتافيرس أو عالم ما بعد الإنترنت).
أولاً: «الميتافيرس» المعنى والمفهوم.
إنَّ إعلان مؤسس شركة فيسبوك (مارك زوكربيرغ) ورئيسها تبديل اسم شركته من «فيس بوك» إلى «ميتافيرس» هو إعلان عن «عالم ما بعد الإنترنت»، عالم بفواعل وآليات ومبادئ وتحديات وأشكال وأبعاد مختلفة جذرياً عمَّا يعيشه الإنسان، تتكوَّن كلمة «الميتافيرس» (Metaverse) من مقطعين (Meta) والتي تعني ما وراء و(Verse) تعني الكون، وكان أول استخدام لها في رؤية الخيال العلمي (Snow Crash) تحطم الجليد للكاتب الأمريكي (نيل ستيفنسون)1992 والتي تدور أحداثها حول تفاعل البشر عن طريق الشبيه الافتراضي (أفاتار) إذ يحتضن هذه التفاعلات والتعاملات فضاء افتراضي ثلاثي الأبعاد مدعوم بتقنيات الواقع المعزز.
مع ذلك، يشبه الحديث عمَّا تعنيه عبارة «Metaverse» إلى حدٍّ ما إجراء مناقشة حول معنى «الإنترنت» في السبعينيات، كانت اللبنات الأساسية لصورة جديدة من الاتصالات في طور البناء، لكن لا أحد يستطيع حقاً معرفة الشكل الذي سيبدو عليه الواقع، لذلك كان صحيحاً، وفي ذلك الوقت كان «الإنترنت» قادماً، لم تكن الفكرة ناضجة عمَّا سيبدو عليه الأمر. يعرِّف «فيسبوك» (الميتافيرس) بطريقة ميسَّرة على أنَّها «مجموعة فضاءات افتراضية تمكنك من التفاعل مع أشخاص آخرين من أماكن مادية بعيدة».