د. ساجد أُحميد الركابي / كلية القانون – جامعة البصرة
هي معادلة لا تنفكُّ عن تكرار مشاهدها في خِضَمِّ الحرب الدولية على الإرهاب، وبمعنًى آخر صراع القوى الذي شهدته العلاقات الدولية إبَّان الحرب الباردة، إلا أنَّ صراع القوى اليوم لم يعد مقتصراً على الدول، بل ضمَّ إلى ملعبه أفراداً وزُمراً وعصابات وجماعات صغيرة وكبيرة مختلفة الأعراق والأديان والطوائف والعقائد والأفكار، ميادينه ومواقع الصِّدَام والمعارك فيه غير محدَّدة وواضحة وثابتة ومعلومة أو مُدركة سلفاً، ينتقل بأفراده وأسلحته وأساليب قتاله من مكان لآخر، فتتغيَّر تبعاً لذلك خطط المعارك وتتنَّوع فنون المواجهة ووسائل الحل وأساليبه المناسبة له.
إنَّها معادلة مرتبطة بالنفس والعقل وما ينتجانه من فكر، ومن ثَمَّ تصميم وإرادة وقرار ومن ثَمَّ نتائج كارثية أهلكت الحرث والنسل، فهي -حقاً- حربٌ عالمية ثالثة لا تُعرف مَدياتها ولا نهاياتها ولا يمكن التنبؤ الدقيق بنتائجها. والقوة التي تتوسَّط طرفي المعادلة، الإرهاب والدولة؛ فإدراك القوة من طرف الإرهاب لا يقتصر على القوة المادية ممثلةً في الإمكانات المستخدمة في القتال، البشر والأسلحة، وإن كانت تمثِّل أدوات العنف والإرهاب المهمة؛ لأنَّها مجرد وسائل لتنفيذ أهداف منظمات الإرهاب وزُمره، والاقتصار على الاهتمام بهذا النوع من القوة هو سذاجة تطبع تفكير صُنَّاع القرار، والحكمة أن نأخذ مفهوم القوة على شموليته مدركين أنَّ هنالك أنواعاً أخرى من القوة تُغذِّي الإرهاب، وتُديم استمراريته وتناميه وانتشار خلاياه وتطوير قدراته على التكيُّف المستمر مع البيئة الحاضنة أو التي يمارس نشاطه الإرهابي فيها حاله حال الوباء الخطير الذي يُغيِّر سلالته وتركيبته الجينية في الجسم المصاب والحاضن له.
وتتمثَّل مفاهيم القوة المقصودة، قوة الفكر والعقيدة التي تتبناها والتي تمثِّل سر جاذبية التنظيمات الإرهابية مثل “داعش”، وقدرات التجنيد والانتشار في مجتمعات مختلفة ومتنوعة على رقعة جغرافية واسعة، وقوة الإمكانات الاقتصادية والمالية، والنفسية والاجتماعية، لمقاتليه، القوة الدعائية والإعلامية، القوة في قدرات الإقناع وإمكانات التوظيف والاستثمار لظروف المجتمعات وأحوالها وتضليل الرأي العام فيها، ومن هذه الأنواع من القوة يجري تفريخ أنواعاً أخرى تديم استمرارية العنف والإرهاب، فيستمرُّ استنزاف قدرات الدولة والمجتمع وقواهما، وعلى مديات غير منظورة أو متناهية.
أمَّا إدراك القوة من طرف الدولة وهي الطرف الثاني في المعادلة فإنَّ لها أنواعاً من القوة كثيرةً وكبيرة إنِ اسْـتُـثْـمِـرَتْ بعقلانية ورشد، ووُظِّفتْ في معادلة صراع القوة ضد الإرهاب آتت أُكُلها وفعاليتها في مواجهته، والحد من انتشار خلاياه، وأدَّت إلى استقرار المجتمع والدولة، وهذه الأنواع تتمثَّل في القوى البشرية والفكرية والاجتماعية والعلمية والاقتصادية، فضلاً عن القوة العسكرية والأمنية. وتعتمد مستويات الاستثمار والتوظيف لهذه القوى والقدرات وتتوقَّف على عقل صانع (صُنّاع) القرار وفكرهم، ومَن يمتلك زمام الأمور وقيادة المجتمع والدولة في معادلة الصراع، ومن ثَمَّ فإنَّ الإشكالية الأساس تكمن في امتلاك القوة وتوظيفها من قبل طرفي المعادلة، الإرهاب–الدولة.
وعن طريق النظر في أوضاع العراق منذ عام 2003، أُسِّسَتْ فرضية واقعية مفادها:
كلَّما كانت الدولة ومجتمعها قويان انهارت قوى الإرهاب وضعفت، وكلما ضعف الدولة ووهنت قواها وعانى مجتمعها الانقسام والاختلاف قويت شوكة الإرهاب واستفحلت خلاياه وازدادت وتائِر نشاطاتها الإرهابية وجرائمها، وعلت سقوف طموحاتها بقيام كيان إرهابي ينافس ويقوِّض كيان الدولة ووجود المجتمع، وإعلان (داعش) دولة الخلافة عام 2014، خير مثال على ذلك.