أصبحتِ الشفافية المالية بما تعنيه من نشر المعلومات والبيانات والحرص على تدفقها لمكافحة الفساد مطلباً دولياً؛ لتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي، عن طريق معرفة المواطنين كيفية إدارة الأموال العامة من قبل الماسكين على السلطة السياسية، إذ تتطلب الإرادة السلمية اعتماد شفافية الموازنة ومساءلة القائمين بأمر إعداد وتنفيذ الموازنة ومحاسبتهم على القرارات المالية التي يتخذوها في ما يخص الإيرادات وتنفيذ الصرف الحكومي، كما أنَّ السرية لم تَعد من تحافظ على سيادة الدولة بل أصبح شفافية العمل الحكومي من يحافظ عليها وعلى نزاهة الدول، إذ تمنح الثقة بين الحاكم والمحكومين.
إلا أنَّ انعدام الشفافية المالية وانتشار الفساد في العراق أدَّى إلى أوجه قصور في المهنية والنزاهة، إذ صنَّف العراق في مؤشِّر مدركات الفساد على أنَّه من أسوء بلدان العالم في الفساد، وعدم تطبيق الشفافية المالية. كما عانى العراق بعد عام 2014 وضعاً غير مستقر نتيجة الأزمة المزدوجة (احتلال داعش لأغلب محافظات العراق، وانخفاض أسعار النفط)، كما أنَّ تظاهرات عام2019 للمطالبة بتحسين الوضع الاقتصادي؛ نتيجة زيادة نسبة البطالة بين الشباب، فضلاً عن ذلك فقد جاء عام 2020 بفايروس (كورونا) الذي شلَّ حركة العالم ومنها الحركة الاقتصادية، وعملتِ الحكومة العراقية على تفادي الأزمة الاقتصادية على حساب المواطن وتخفيض قيمة الدينار العراقي أمام الدولار، ممَّا أدَّى إلى تفشِّي البطالة، وعدم وجود فرص عمل لا سيَّما بين الشباب من حملة الشهادات، وإنَّ هذه المشكلة أخذت بالاتساع عاماً بعد عام، ولم تنفع معها سياسات التجاهل والتغاضي.
تؤدِّي الإدارة المالية المبنية على أساس المكاشفة والوضوح إلى خلق القدرات الفاعلة في التخطيط، وتحديد أوجه القصور، وتبني السياسات المناسبة التي تدفع نحو فتح مساحات جديدة في سوق العمل، والعكس صحيح، بمعنى أنَّ حجب البيانات، ومسارات الإنفاق تحول دون القدرة على ضبط الأسس والقواعد الفاعلة في تطوير أدوات الإنفاق وقياس الآثار. وبهذا فإنَّ كثيراً من الأدوات الاقتصادية الحاكمة لا يمكن المضي بها إن لم تكن هناك إدارة مالية سليمة، فبما إنَّ آليات الإنفاق تقاس بالسعة المالية، فهذا الأمر يرتبط بشدة بالقدرة على خلق المزيد من الوظائف وضبط آليات الإنفاق وأبوابه وَفْقاً لتلك المؤشرات.