حـسن هـادي الأسديّ
بعد ثماني عشرة سنة مرَّت على العراق اتسمت بفسادٍ إداري ومالي وتراجع في الخدمات على كافة المستويات، وانهيارٍ شبه تام في بُناه التحتية، وأنهار الدماء التي سالت، والأرواح التي أُزهقت بدعوى الطائفية القومية والدينية والمذهبية، وتسلُّط النظام الحزبيّ والعائليّ والفئويّ على مقدَّرات البلد، وإهدارها بغياب الغيرة الوطنية والأخلاقية والإنسانية والشرعية للحكَّام، وكأنَّ العراق يَمُرُّ بأسوء فترة في تأريخه، فهذا البلد الضارب في عمق حضارته، الذي علَّم العالم ولليوم كيف يكون التقدُّم والمدنية والحضارة.
وبعد أن هبَّ الشباب الحر الغيور مطالباً بوطنٍ ضيَّعه الجهلة والفاسدون، وانتفضوا فاتحين صدورهم العارية لرصاص الظلم والطغيان؛ لوقف التدهور عند حدِّه، وإنقاذ البلد، وجبَ علينا جميعاً أن نفيَ تلك الدماء التي سالت دفاعاً عن سيادة العراق وكرامته عن طريق إصلاح الأحوال وعلى كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والخدماتية وغيرها، ممَّا خُرِّبَ قبل وبعد الاحتلال، وبعد غياب الرؤية الواضحة للحكومات التي تعاقبت على إدارة البلد في ظل انتعاش الثروات وزيادة الواردات خلافاً لأيام الحصار الجائر، فلم يكن هناك سياسة اقتصادية ومالية محددة تسعى باتجاه هدف زمني محدد، وجبَ على الحكومة المقبلة البدء بذلك وبكل ما أوتيت من قوة وصلاحيات، لا سيِّما أنَّ البلد قد تأخَّر كثيراً عن البداية إذا ناظرنا ذلك مع متغيرات الاقتصاد العالمي في العقدين الأخيرين، والتوجُّه بهدف التقليل من الاعتماد على الطاقة “الأحفورية” التي ما زالت تشكِّل أكثر من (95 %) من موارد الموازنة العراقية، المثقلة بالجزء التشغيلي بالصورة التي جعلها تتخلَّف كثيراً عن الإيفاء بالاستحقاقات الاستثمارية المطلوبة.