منذ فترة ويسعى رئيس الوزراء مصطفى الكاظميّ إلى تقمُّص دور الوسيط، وفتح قناة حوار مغلقة بين الرياض وطهران؛ من أجل تخفيف حِدَّة التوتُّر الحاصل في المنطقة، ولعب دورٍ رياديٍّ يوفِّر عن طريقه الثقل السياسيّ متمثِّلاً بالعراق، وقد تكلَّلتْ خُطُواته الأولى بالنجاح حينما جمع الطرفين في طاولة مباحثات موحدة، إلَّا أنَّ هنالك مخاوفاً وشكوكاً جمَّة حول استمرارية نجاح الوساطة العراقية، إذ تنبع تلك الشكوك من عوامل عِدَّة، تبدأ من قدرة المساومة العراقية مروراً بمقبولية الكاظمي عند الطرفين، وانتهاءً بنوع المشاكل بين طهران والرياض، وارتباطها بعوامل عديدة من قبيل: (الملف النوويّ، وموضوع اليمن ولبنان، وطريقة تعاطي حكومة بايدن مع مشاكل الشرق الأوسط).
فحكومة الكاظمي تدرك جيداً حجم المشاكل التي تواجه وساطتها، لذلك رسمت لخطواتها أهدافاً قصيرة الأمد، وأقل طموحاً من حلحلة كامل المشاكل بين جارتي بغداد، إذ تنصبُّ الوساطة العراقية على الإفادة من التفاهمات الجزئية بين الطرفين لتهدئة ساحته الداخلية، ففي هذا الشأن يرى الكاظمي نفسه أمام مشكلةٍ حقيقيةٍ تتمثَّل في اختلال توازن القوى بين طهران والرياض في الداخل العراقيّ، في ظلِّ غياب الرغبة الأميركية باستمرار التدخل في العراق، وعلى ما يبدو فإنَّ الكاظميَّ عاجزٌ عن طرح السعودية بوصفِها ممثِّلاً للغرب في العراق، وهذا ما سنتناول تفاصيله بتوسُّعٍ في طيَّات البحث.