لا يخفى على المتصدّين للواقع الثقافي والتعليمي في الحكومات والأنظمة السياسية بأنَّ الترجمة هي أحدى المجالات المهمّة التي تؤدّي دوراً أساسياً في إطار التبادل الثقافي والتفاعل الحضاري بين الشعوب. وإن التبادل الثقافي والتفاعل الحضاري واحد من السبل المهمّة في بناء الثقافة الفردية السَّليمة التي تجعل الفردَ الواحد مواطناً مساهماً في التنمية المستدامة. قد لا يختلف اثنان بأنَّ ما تحتاجه المجتمعات البشرية في عالمنا اليوم للتطور والتنمية تتمثل بثلاثة عوامل: 1- الموارد الطبيعية، و2- إتقان التخطيط الاقتصادي والسياسات العامة، و3- سلامة النظام السياسي. ولكن ثمّة عامل رابع، وهو الاهتمام بثقافة المواطنين الفرديّة، وهذه الثقافة هي مجموعة من عقائد الأفراد وأحاسيسهم وعواطفهم ومطالبهم وآمالهم وغاياتهم، إذ يجب تشذيب هذه الثقافة وتنقيتها باستمرار، وإن التفاعل الحضاري والتبادل الثقافي عبر بوابة الترجمة من شأنها أن تكون رافداً أساسياً للتنمية الثقافية.
يصدر في العالَم سنوياً أكثر من 100 ألف كتاب مترجَم، أيْ أكثر من 12% من مجموع الإصدارات السنوية، وفي ايطاليا وحدها هناك 52 كلية ومعهداً ومدرسة عليا للترجمة والاختصاصات المرتبطة بها. وإن الاتحاد الدولي للمترجمين، يضمّ في عضويته اتحادات وتجمعات مهنية تمثل أكثر من 80 ألف مترجم في العالَم. ولكنَّ العالم العربي، الذي يزيد عدد سكّانه على 250 مليوناً يترجم في العام الواحد نحو 450 عنواناً فقط. وبحسب تقرير التنمية العربية، فإنَّ متوسط الكتب المترجمة لكل مليون عربي يساوي: 4.4 كتاب، أي أقل من كتاب واحد كل سنة، بينما بلغ العدد 519 كتاباً في بلد كالمجر، و920 كتاباً في إسبانيا. وخلال أكثر من نصف قرن ترجمت فرنسا ما يقرب من 150 ألف كتاب، كما ترجمت ألمانيا حوالي 260 ألف كتاب، في حين ترجم العرب مجتمعين أكثر بقليل من 9 آلاف كتاب.