يعد مفهوم بناء السلام من أكثر المفاهيم اشتغالاً في المراكز البحثية، ومن أشهرها تداولاً في البلدان التي خرجت من أسر الاستبداد وتعثرت تجربتها في مسار العدالة الانتقالية، وتنوعت هويات شرائحها الاجتماعية فشعرت بهضم حقوقها أو مس كراماتها أو التضييق على حرياتها، أو تشاكست فيها الفواعل السياسية، أو أصيبت مفاصلها المؤسساتية بالهشاشة، أو نشبت بين أفرادها النزاعات الصلبة، أو غابت الرؤية الجامعة لمواطنيها؛ مما تسبب بالصراع على الماضي وتوظيفه في الصراع السياسي، أو الاختلاف على شكل المستقبل، أو التنازع على النفوذ والتغالب على حيازة الموارد، أو سيطرة علل الاستبداد على العقول وتفشي نزعات التمييز والكراهية؛ مما أسهم بصناعة بيئات تحتضن أرحامها الاجتماعية والسياسية أجنة التطرف العنيف التي تولد دوما بعد النزاعات الصفرية في ظل غياب رؤى الاعتدال وتهميش أفكار الحوار والتفاوض واقصاء استراتيجيات السلم وحضور الانفعالات وردود الأفعال بديلاً عن بناء السلام المستدام الذي يعزز الوحدة ويرصن النسيج المجتمعي، ويمنح شرائحه المناعة الذاتية للصمود أمام الأفكار المتطرفة العنيفة، مما استدعى ابتكار مجموعة من برامج بناء السلام اعتمدتها الحكومات العراقية المتعاقبة بعد 2003 وإلى يومنا هذا، فضلاً عن برامج المنظمات غير الحكومية، والمنظمات الدولية، ولضخامة البرامج وتنوعها وسعة المدة الزمنية واتساع جغرافيتها، تطلب اجراء وقفة للمراجعة واعادة التقييم لفلسفة البرامج وآليات تنفيذها وكفاءتها، واستدامتها، ونتائجها عبر قراءة نقاط القوة التي ارتكزت إليها ومواطن الضعف التي تصيبها بالارتباك، والهشاشة والامكانات التي تمتلكها والتحديات التي تعترضها والفرص التي يمكن تحقيقها، ستتضمن الورقة مقدمة وأربعة محاور وخاتمة ونتائج وتوصيات اجرائية.