اجرى قسم الدراسات الاقتصادية في مركز البيان للدراسات والتخطيط حوارا مع مستشار رئيس الوزراء للشؤون المالية والخبير الاقتصادي الدكتور مظهر محمد صالح. وتضمن الحوار التغيرات الأخيرة في سعر الصرف في الأسواق العراقية.
مركز البيان: كيف لدالة الطلب على العملة الاجنبية ان ترتفع بهذا الشكل؟ فضلاً عن أن الإنفاق العام مقارب للسنوات السابقة؟ كيف يجتمع ارتفاع السعر والكمية المطلوبة بالرغم من انخفاض في بعض السلع الكمالية وسلع الرفاهية بعد ارتفاع نسب التضخم الناتجة عن تخفيض سعر صرف العملة المحلية؟ وكيف أخفقت السياسة النقدية والمالية من معالجة هذا الارتفاع الذي كان هدفه في الورقة البيضاء معالجة الاختلال في القطاع الخارجي في الحساب الجاري والذي ينبغي أن ينعكس على الاختلال الداخلي في الموازنة العامة؟
د. مظهر محمد صالح: ابتداءً لابد من العودة الى النظر الى دراستنا السابقة حول اعتدال دوال الطلب النقدي والتي نشرت قبل اقرار الموازنة العامة الاتحادية في مجلس النواب بمدة مناسبة. اذ يأتي الطلب الفائق على النقد الأجنبي اليوم مشكلاً ظاهرة يمكن وصفها بالطلب تعويضي الفائق فائق superior compensated demand على العملة الاجنبية خارج احتياجات التجارة الخارجية حقا؟ فبعد ان جفف المضاربون رصيدهم الدولاري خلال الفصل الأول من العام الحالي 2021 بأمل قيام مجلس النواب برفع قيمة الدينار ثانية والمضاربة بالسعر حتى اللحظات الاخيرة تكللها اشاعة غير مضمونة false مشوشة كاذبة بهذا الشأن!
إذ شكل هبوط الطلب على الدولار الرسمي من قبل السوق وقت ذاك الفصل الأول من العام 2021 حالة من التخلص من أرصدة الدولار بالسرعة الممكنة سواء داخل البلاد أو ارصدة البعض المحتفظ بها خارج البلاد ولم ينتبه أحد كيف مولت التجارة الخارجية للقطاع الخاص في ظل شبه توقف لمبيعات نافذة البنك المركزي على مدى ثلاثة أشهر وانخفاض الطلب الحاد على الدولار الرسمي من السوق المركزي والتداول بسعر صرف مرتفع للدينار ساد السوق الموازنة مقارنة بالسعر المركزي حينها، بل بدأت التفسيرات بأن الطلب على الدولار بمستوياته العالية الطبيعية السابقة كانت لا تمثل سوى حقيقة واحدة هي هروب رؤوس الاموال او ان معظمه كان بمثابة تدفقات خارجة مقابل لاشي capital flights؟!
اما اليوم فان العامل المقابل السائد في السوق الموازية، والذي يمثل المرحلة الراهنة مرحلة التخلص من الدينار يأتي خشية تدهوره في ظل (معلومة مشوشة noisesed information)كاذبة والقائلة بأن هناك المزيد من التخفيض على سعر الصرف وهي معلومة مزيفة يطلقهما المضاربون وتمثل مرحلة أدت إلى اشتداد الطلب على الدولار والتخلص من الدينار لتحقيق أرباح قدرية windfalls تعوض مرحلة الخسارة السابقة….
لذلك إنها سوق نقدية مشوشة تعتمد قراراتها على فقدان الكفاءة بسبب كثرة التلون في المعلومات وفقدان النقاء المعلوماتي والذي يمثل تدني الضوضاء البيضاء في المعلومات التي تتداولها السوق المستقرة عادة لمصلحة الضوضاء الملونة from white information to coloured noisesوالتي تنعكس على قرارات تفاقم من الطلب المضطرب على إحلال الدينار بالدولار..! فالسوق النقدية اليوم بحاجة إلى ثقة ويقين معلوماتي عالي وهو قد لايتوفر تماما في ظل ظروف سياسية مشوشة و اكاذيب و اشاعات باطلة مستمرة بات ثمنها باهض على احتياطيات البلاد من العملة الاجنبية. منوهين أن سياسة البنك المركزي النقدية هي سياسة واضحة أساسها توفير الثبات والاستقرار لسعر الصرف المركزي عبر الفترة الطويلة القادمة وهي المعلومة الصحيحة الوحيدة التي ينبغي اعتمادها ليستقر الطلب على العملة الأجنبية.
مركز البيان: لا شك أن هناك قوى خفية لكن الا يوجد هناك سياسات تحد من ذلك، فهناك تجارب على الأقل في البلدان النامية التي لا تمتلك النفط ونجد أن سعر صرفها مستقر؟
نعم فهذه الظاهرة تبقى وقتية وليست دائمية تنتهي بمضاعفة مبيعات البنك المركزي وتشديد القدرة على سحب السيولة المحلية (اي تعظيم التعقيم) الى ان يستقر السوق النقدي لذلك فقد ذكرت أن ثمن المضاربة هي هدر المزيد من الاحتياطيات المركزية.
مركز البيان: هل أن تخفيض سعر الصرف أسهم في معالجة الاختلال الهيكلي في الموازنة؟ وهل هناك توصيات او حلول لصانع القرار في القطاع النقدي لكي يحمي منخفضي الدخل من جهة، والمحافظة على الاحتياطيات ودعم القطاع الحقيقي من جهة اخرى؟
عالج بعض الاختلالات الهيكلية في المالية العامة، وان علاجات الفقر وتدني مستوى المعيشة بسبب الآثار السعرية لتخفيض سعر الصرف تعالج بالدعم الحكومي للأسعار وبشكل خاص تفعيل نظام البطاقة التموينية بالكمية والانتظام الشهري ليشمل مساحة أوسع من المستحقين ضمن نظام الرعاية الاجتماعية لتحقيق الأثر التوزيعي العادل. وسبق أن طرحت فكرة المصرف التجمعيي لتمويل التجارة الخارجية للقطاع الخاص عن طريق آليات فتح الاعتمادات المستندية ذلك منذ العام ٢٠١٦ وحتى اليوم يدرس الموضوع دون جدوى.
مركز البيان: الا يمكن طرح سندات بسعر فائدة حقيقي ويسدد بالعملة الاجنبية لكي نضمن تنوع أدوات الدين الحكومي من جهة والاستقرار النقدي من جهة اخرى؟
سبق أن طرح البنك المركزي نيابة عن الحكومة فلم يقبلها الجمهور واشترتها بعض المصارف المضاربة عام 2016 وفشلت العملية. قبول وتداول الأوراق المالية وان كانت مقيسة indexed ثقافة طويلة الأجل وتطبيقاتها محدودة بسبب فقد الثقة ايضا والا كيف تفسر أن هناك 50 تريليون دينار هي في بيوت الناس من خارج الكتلة النقدية المصدرة.