تمثل الأحزاب السياسية قلب وروح الديمقراطية التي تُعدُّ من أفضل الأنظمة السياسية من حيث حل الصراعات بالطرائق السلمية واحترام حقوق الإنسان السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وبما أنَّ نظام الحكم في العراق وفق المادة الأولى من الدستور هو نظام جمهوري نيابي ديمقراطي، فإنَّ الأحزاب السياسية لا غنى عنها إذا ما أردنا بناء تجربة ديمقراطية يمكن أن تحقق تطلعات الشعب العراقي بعد حقب طويلة من الاستبداد.
ويُعدُّ العراق من الدول الرائدة في تشكيل الأحزاب السياسية، إذ أُصْدِرَ قانون الجمعيات في عام 1922 الذي نظَّم عمل الكيانات والأحزاب السياسية آنذاك في عهد النظام الملكي، إلَّا أنَّ هذه التجربة لم يسعفها الوقت للتطور، لاسيَّما بعد الانقلابات المتتالية في تاريخ العراق السياسي، التي أدَّت إلى موت المجتمع المدني بما فيها الأحزاب السياسية، ولعل مقولة «استعمال العنف من أجل تحقيق أهداف سياسية» يمكن أن تختصر أبرز التحولات الكبرى في تاريخ العراق الحديث والمعاصر منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921، بعيداً عن العمل الديمقراطي والحزبي من أجل تحقيق التغيير السياسي المنشود.
ولهذا من الطبيعي أن يكون سقوط نظام صدَّام حسين عام 2003 والتحول من نظام الحزب الواحد إلى التُعدُّدية الحزبية، ومن الدكتاتورية إلى الديمقراطية، عملية لا تخلو من المشاكل، وهذا هو حال معظم الديمقراطيات الناشئة، ويمكن القول أنَّ أبرز المشاكل التي يعاني منها النظام السياسي عدم تطور الحياة الحزبية بسبب افتقارها إلى «الديمقراطية الداخلية»، حتى تكوَّنت عندنا معادلة شاذة وهي نظام سياسي ديمقراطي تشارك فيه أحزاب سياسية تفتقر للممارسة الديمقراطية في صنع قراراتها الحزبية واختيار قياداتها السياسية.