ربَّما لا يختلف شخصان يعيشان في العراق على ضعف مستوى الخدمات التي تقدمها الدولة لمواطنيها، ولضعف الخدمات هذا العديد من الأسباب، يقع في مقدمتها حجم الفساد المالي والإداري المستشري في كثيرٍ من مفاصل الدولة، والذي أكَّده تقرير مؤشِّر مدركات الفساد، وهو مؤشر يبيِّنُ مدى وجود فساد في القطاع العام، تصدره منظمة الشفافية الدولية، إذ حلَّ العراق بالمركز (162) من أصل (180) دولة داخلة في التصنيف، وعلى الرغم من كلِّ المحاولات الجادة أحياناً والخجولة أحياناً أخرى، لوضع حدٍّ واضحٍ أو السيطرة على بعض منابع الفساد، إلَّا أنَّ العراقيينَ ما زالوا يعيشون بأدنى متطلبات العيش الكريم الذي يطمح إليه الجميع.
إنَّ زحزحة وحلحلة جزء من هذا الفساد بما يتضمنه الفساد من سوء الإدارة وسرقة المال العام والإثراء على حساب غير، فضلاً عن تدنِّي مستوى التعليم وانعدام مقوِّمات الحياة في مناطقَ عديدة، يتطلَّب تغييرات هيكلية وتنظيمية واسعة في مؤسسات القطاع العام، وعلى رأس هذه المؤسسات، تلك التي تُعْنَى بتقديم الجانب الخدماتيّ للمواطنين، وإنَّ هذه التغييرات الواسعة في هيكل القطاع العام ومؤسساته لا يمكن أن تنفذ بدفعة واحدة، لذا فإنَّنا مع الافتراض القائل «إنَّ إصلاح القطاع العام بأكمله غير واقعي، لكن التدرج في الإصلاح قد يؤدِّي إلى نتائج مهمة»، وهذا يتطلب مراحل متُعدُّدة من العمل الجاد على مستوى الدولة والحكومة والمجتمع الدولي.