لقد قادت أزمة الخبز السوريين الذين أيدوا حكومة الأسد (أو على الأقل الذين لم يعارضوها) إلى أن يفقدوا ثقتهم بالدولة بوصفها مصدراً للاستقرار. في المقابل، لجأت حكومة دمشق إلى استخدام العنف والقمع كوسيلة لاحتواء العواقب الوخيمة.
على مدار العقد الماضي الذي انقضى على الأزمة السورية، تمتع نظام الأسد بالتأييد -أو على الأقل بالمقبولية- من شرائح معينة من المجتمع، تلك الشرائح التي كان الاستقرار والإمداد الثابت للخدمات على رأس أولوياتها. بيد أن البلد يعاني من انهيار اقتصادي، انهيارٌ ناجم على الأغلب عن سنوات الحرب والانهيار الاقتصادي الذي تعاني منه الجارة لبنان؛ وهذا ما يعيق قدرة الدولة السورية على توفير أبسط الخدمات الأساسية للمواطنين. ومع الارتفاع الناري لأسعار المواد الغذائية، لم تعد الدولة قادرة على توفير حتى الخبز المدعوم حكومياً، الخبز الذي أصبح السوريون يعتمدون عليه بشكل متزايد طوال الحرب، إذ لم يعودوا قادرين على سد رمقهم، فهم يتضورن جوعاً أكثر فأكثر. بات نظام بشار الأسد الآن وأكثر من أي وقت مضى -منذ تسنمه لزمام السلطة وراثة في عام 2000- يعتمد على القمع والإرهاب لإسكات السكان الذين ينخرهم الفقر والعوز، بينما يستفيد المقربون من النظام وأولئك المرتبطون بالشرطة السرية من أزمة شح المؤن المدقعة.
حينما اقترب غياث من مخبز الدولة في بلديته بريف دمشق، كانت الساعة تشير إلى السادسة والنصف صباحاً، ولكن الطابور على المخبز كان طويل قبل وصوله. يأخذ مكانه في الطابور وينتظر أكثر من ساعتين لشراء الخبز المدعوم حكومياً، ومن ثم يمضي لعمله في المجلس المحلي. كان هذا روتينه اليومي من شهور. يصف غياث مشاعره في البرد بينما ينتظر في الطابور: “يضطرم صراع في داخلي. أفكر بشأن المعيشة على هذا الراتب الصغير”. يقول: “أحياناً تنهمر الدموع دون أن أعي ذلك. أشعر بالعجز، وبدأت بالتفكير، يتوجب عليّ أن أفعل شيئاً ما. عليّ أن أتصرف. مللتُ هذا الإذلال الأبدي”. غياث مواطنٌ من بين ملايين المواطنين السوريين الذين يصطفون في الطوابير يومياً في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام للحصول على الخبز والسكر والرز والديزل وغاز الطبخ، والذين يعانون من شحة في الحاجات الأساسية وارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية.