يستعد العراقيون في الخامس من شهر آذار المقبل 2021 إلى استقبال قداسة البابا فرنسيس في زيارة رسمية إلى العراق ستستمر أربعة أيام. وتأتي هذه الزيارة في ظروف عالمية حساسة جراء ما تعانيه البشرية من انتشار جائحة كورونا، “حيثُ يعول الكثيرون على أن تُسهم هذه الزيارة في دعم واستقرار المنطقة فضلاً عن السلام والتفاهم بين أبناء الوطن الواحد”[1]، فيما رحبت الحكومة العراقية بهذه الزيارة التي تعد الأولى من نوعها التي من شأنها أن تساعد في ترسيخ الاستقرار، وإشاعة روح التآخي بين أبناء الشعب العراقي، ودعم الاستقرار في المنطقة التي تعاني دولها من الأزمات المختلفة فيما بينها.
وتأتي هذه الزيارة المقررة في ظروف سياسة واقتصادية حرجة يمر بها العراق في مواجهة تحديات عدة من بينها فيروس كورونا، والأزمة الاقتصادية، وانخفاض إيرادات النفط، ومواجهة الهجمات الإرهابية من قبل عصابات داعش في مناطق مختلفة من البلاد، وملف الانتخابات النيابية المقبلة المقرر إجراؤها في العاشر من شهر تشرين الأول من العام الحالي.
في وقت يحتاج فيه العراق وشعبه إلى الأمل والانفتاح نحو محيطه الإقليمي والخارجي تأتي هذه الزيارة لتعزز هذا المطلب لخلق فرصة من التقارب وتأطير المشكلات والذهاب نحو بناء علاقات متوازنة بين العراق وجيرانه إقليمياً وعالمياً، ولاسيما أن العراق يقف باستمرار ضد التدخلات الخارجية في الساحة العراقية والعمل نحو علاقات مبنية على أساس المصالح المتبادلة التي من شأنها تعزيز مكانة العراق على الساحة الدولية.
في الثامن من شهر شباط الحالي “أعلن الموقع الرسمي للفاتيكان Vatican News جدول زيارة البابا فرنسيس إلى العراق”[2]، وجاء فيه أن المواقع المقررة لزيارة قداسة البابا هي: بغداد، والنجف، وأور، وأربيل، وقرقوش، وأن المتابع لبرنامج الزيارة فسيجد أن البابا جعل لهُ محطات مختلفة على خارطة العراق، إلا أن هناك محطتين تكاد تكون الأهم خلال هذه الزيارة، فالمحطة الأولى هي مدينة النجف الأشرف ولقاء المرجع الديني الأعلى آية الله السيد علي السيستاني التي ستمثل حدثاً تأريخياً مهماً لهذه المدينة لما تمثلهُ من خصوصية ورمزية كبيرة، فضلاً عن أن اللقاء الذي سيجمع قداسة البابا مع أحد أهم رجالات الحوزة العلمية في عصرنا الحالي (آية الله العظمى السيد علي السيستاني) وما لهُ من مكانة خاصة لدى العراقيين بكل طوائفهم ودوره البارز في العراق بعد عام 2003 ومواقفه وبياناته الأبوية والإنسانية تجاه الأقليات في العراق، فضلاً عن دعوته نحو تعزيز الحوار والعيش المشترك بين جميع المكونات الدينية.
أما المحطة الثانية التي تتوجه إليها الأنظار فهي مدينة قرقوش الواقعة في جنوب شرق محافظة نينوى وإقامة قداس في إحدى كنائسها لما تمثلهُ هذه المدينة من تواجد لأبناء الطائفة المسيحية، حيثُ عانت هذه المدينة الكثير من التحديات خلال سيطرة تنظيم داعش عليها وتهجير أهلها عام 2014، فإن ذهاب قداسة البابا فرنسيس لها لهُ رسالة وطابع روحي كبير لسكان هذه المدينة، والسعي نحو مسارات السلام والحوار والإخوة والتعاون “والتركيز على احترام الفقراء والدعوة لعودة المهجرين من أبناء المدينة للرجوع إليها وحقهم في حياة أمنة”[3] وتشجيعهم للصمود في وجه الاضطرابات والتحديات المختلفة.
على الرغم من المخاوف الأمنية التي تحيط بالزيارة، والمخاوف الصحية بسبب فيروس كورونا، إلا أن البابا فرنسيس عازم على إجراء هذه الزيارة في موعدها، فضلاً عن تطمينات الحكومة العراقية للجانب الإيطالي “لتهيئة العوامل اللازمة لإنجاح هذه الزيارة التأريخية”[4]، فهذه الزيارة ستكون رسالة كبيرة على مستوى العالم، إذ سيجتمع قداسته مع الجماهير التي تنتظرهُ بشغف في مدينة أور واربيل على الرغم من وجود كورونا، وهذا أيضاً دليل على الأمل والتواصل الإنساني في مثل هذا الوقت الصعب، ورؤية البابا في العراق، سيوفر بادرة أمل للحياة على الرغم من الصعوبات.
“سيكون من الخطأ التفكير بأن زيارة البابا فرنسيس للعراق هي مناسبة ذات أهمية خاصة لمسيحيي العراق فقط، بل هي لحظة تأريخية سيشيد بها جميع العراقيين”[5]، وستعكس المحطات المخطط لها بعناية في بغداد والموصل وأور والنجف وأربيل عمق التأثير الذي تحمله هذه الزيارة.
أخيراً، لم تفصح طبيعة هذه الزيارة أو برنامجها عن أي اتفاق أو وثيقة للتوقيع، لكن هل سنشهد توقيع وثيقة في بلاد الرافدين على غرار ما تم توقيعهُ في أبوظبي والمغرب عام 2019؟
[1]– زيارة البابا للعراق.. حديث عن توقيع “وثيقة أخوة إنسانية” مع السيستاني، https://www.alhurra.com/iraq/2021/02/14/زيارة–البابا–للعراق–حديث–توقيع–وثيقة–أخوة–إنسانية–مع–السيستاني
[2]– https://www.vaticannews.va/en/pope/news/2021-02/pope-francis-programme-for-apostolic-visit-to-iraq-announced.html
[3] – This is why His Holiness Pope Francis will go to Iraq, https://www.vaticannews.va/en/church/news/2020-12/pope-visit-iraq-rif-at-bader-background.html .
[4] – https://arabic.rt.com/middle_east/1202448-الكاظمي–زيارة–البابا–إلى–العراق–ستسهم–في–ترسيخ–الاستقرار/
[5] – Pope Francis visiting Iraq is the story we all need, https://www.thenationalnews.com/opinion/comment/pope-francis-visiting-iraq-is-the-story-we-all-need-1.1170986