زهراء شريف زادة: عضو في هيئة تحرير مجلة العلاقات الدولية.
لقد بدأت العلاقات العراقية الصينية منذ قرون مع طريق الحرير القديم، وفي عهد الخلافة العباسية خلال العصور الوسطى، حيث سهّلت التجارة بين الإمبراطوريتين الصينية والإسلامية. وفي القرن العشرين، نمت العلاقات الثنائية بين الصين والعراق بنحو مطرد منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في عام 1958. وعلى الرغم من أن الصين بعد عام 1991، قامت ببعض التجارة مع العراق في إطار برنامج النفط مقابل الغذاء، وكانت المبيعات الاقتصادية والعسكرية للعراق تتم وفق قرارات الأمم المتحدة، إلا أن العلاقات الصينية العراقية تضاعفت خلال فترتين زمنيتين مختلفتين: أولاً حينما حدثت الثورة في العراق وغادرت القوات البريطانية البلاد، وثانياً في عام 2011 حينما انسحبت آخر القوات الأمريكية من الأراضي العراقية.
لقد زار الرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني للصين في حزيران 2007، ثم أُنشئت آلية للتشاور السياسي بين وزارتي الخارجية العراقية والصينية. وفي تموز 2011، قام رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي بزيارة رسمية إلى الصين، وفي كانون الأول 2012، أعادت السفارة الصينية في العراق فتح خدماتها القنصلية ومنح التأشيرات.
تعد مشاركة الصين في الشرق الأوسط عنصراً مهماً في شبكتها الخاصة بالتعاون الدولي. لقد وقّعت الصين على 15 علاقة وشراكة مع دول الشرق الأوسط، وفقاً لأربع فئات عامة حسب أهميتها، حيث تبدأ عبر الخليج وشرق البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، ويقع العراق في المجموعة الثالثة من الشراكات الاستراتيجية التي تضم عدداً من الدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط، والأردن، والكويت وسلطنة عمان، وقطر.
وتحولت الصين إلى لاعب مهم في الشرق الأوسط في العقود الأخيرة، واضطر هذا البلد إلى رفع مستوى تنسيقه مع دول الشرق الأوسط؛ بسبب نموه الاقتصادي الكبير. ومن حيث المقارنة، ليس للصين أي وجود تأريخي في الشرق الأوسط وتعتبر قوة عالمية جديدة؛ وبالتالي، فإن الصين تتعامل بحذر شديد في سياستها تجاه التحديات السياسية والأمنية الداخلية الخاصة بدول الشرق الأوسط. وفي الوقت الحاضر، بدأت علاقات الصين مع منطقة الشرق الأوسط في عام 2013 بناء على احتياجاتها من الطاقة وخطة “حزام واحد، طريق واحد” أو ما يُعرف بمبادرة الحزام والطريق BRI. وأصبحت الصين رسمياً المستورد الرئيس للنفط الخام في العالم في عام 2015، حيث يأتي توفير نصفه تقريباً من الشرق الأوسط. بالإضافة إلى ذلك، تقع منطقة الشرق الأوسط في موقع استراتيجي يربط بين آسيا وأوروبا وأفريقيا، وهذه المنطقة مهمة لمستقبل مبادرة الحزام والطريق، التي من المقرر أن تضع الصين في مركز شبكات التجارة الدولية، ومع ذلك، تتركز علاقات الصين في الوقت الحاضر، مع منطقة الشرق الأوسط بسبب دورها المهيمن في أسواق الطاقة، وخاصة في دول الخليج، وتحديداً الإمارات العربية المتحدة والسعودية.
وعلى وفق ديجانج صن(1( ترى الصين أن آفاق وجود نظام متعدد الأقطاب في الشرق الأوسط تعتمد على عدم التدخل والتعاون مع الدول الأخرى. وإذا سارعت الولايات المتحدة بخروجها الواضح من الشرق الأوسط، فسوف يستقر العراق من خلال “السلام التنموي” بدلاً من المفهوم الغربي المسمى “السلام الديمقراطي”، وهي عملية من المرجح أن تجبر الصين على حماية مصالحها في هذا البلد. ربما لا ترغب الصين في تعزيز وجودها السياسي والأمني في منطقة الشرق الأوسط، لكنها قد تشعر أنه ليس لديها خيار آخر، وفي الوقت نفسه، فإن تعميق انخراط الصين مع كل من الولايات المتحدة والعراق سيكون مكثفاً.
لقد أتاحت هزيمة داعش في أواخر عام 2017 فرصة للمسؤولين العراقيين للعمل على تلبية احتياجات إعادة الإعمار في البلاد وحل المشكلات الاقتصادية، ولذلك، تخطط الحكومة العراقية لتوسيع صناعة النفط وكذلك تنويع المنتجات النفطية على المدى الطويل، وهي تطمح للحصول على دعم الصين لهذه الجهود. ويحتل العراق المرتبة الرابعة في صادرات النفط إلى الصين في عام 2018 بعد روسيا، وأنغولا، والسعودية، وهذا البلد يحتاج إلى الأموال الصينية لتطوير البنية التحتية الحيوية، ويمكن أن يكون لهذه المساعدات تبعات بعيدة المدى على البلاد.
والآن بعد أن تراجع خطر داعش، برزت الصين كشريك تجاري رقم واحد للعراق كثالث أكبر مصدر للنفط للصين بعد السعودية وروسيا، وحاولت الصين توسيع وجودها في العراق، ووجدت في بغداد، شريكاً في أمَس الحاجة لدول مثل الصين لإعادة البناء والتعافي، حيث عندما وصل رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي إلى بكين في 19 أيلول 2019 على رأس وفد من 55 عضواً، وصف زيارة الصين بأنها واعدة “بنقلة نوعية” في العلاقات الثنائية. وتوجت هذه الزيارة التي استمرت خمسة أيام بتوقيع ثماني مذكرات تفاهم واسعة النطاق، واتفاقية ائتمان، وإطار عمل، وصدور بيان عن خطط العراق للانضمام إلى خطة الحزام والطريق الصينية. وإن مذكرة التفاهم هذه هي تعاون بين كل من وزارات التجارة، الخارجية، الداخلية، النفط، المالية، الكهرباء، والثقافة والصناعة، كما تضمنت إعادة الإعمار الشامل، وتنمية قطاع الاتصالات، وتطوير تقنيات الأمن الداخلي، وتخصيص أرض لبعثتين دبلوماسيتين بين البلدين، وإنشاء مكتبة صينية في جامعة بغداد، وإعداد خطة تنفيذية للتعاون الثقافي.
وفيما يتعلق بجواب السؤال الذي يقول لماذا العراق مهم للصين، ينبغي القول إنه منذ إعلان قمة التعاون الصيني العربي في عام 2004، سعت الصين إلى تعزيز العلاقات مع الشرق الأوسط، ومنحت العراق خطوط ائتمان منخفضة الفائدة، واستثمارات ضخمة في البنية التحتية المحلية، وفي بعض الحالات قروضاً بمليارات الدولارات. وفي عام 2010، سددت الصين حوالي 80 في المئة من ديون العراق. وتقوم الصين بشراء ما يعادل نصف إنتاج العراق من النفط. وكانت شركة البترول الوطنية الصينية NOC رائدة في الاستثمار في شركات الطاقة المحلية في الشرق الأوسط، وفي العراق تمتلك هذه الشركات الصينية حصصاً كبيرة في حقول الأحدب، وحلفاية والرميلة.
ومن ناحية أخرى، أعرب الرئيس الصيني شي جين بينغ عن رغبته بتنمية علاقات بلاده مع العراق، ويرى العراق شريكاً استراتيجياً وأساسياً في الشرق الأوسط، وعبّر عن رغبة بلاده في الاستثمار في العراق لتطوير وتنشيط الصناعات المحلية، وحقول النفط الجديدة، وبناء المدن الحديثة والموانئ والسكك الحديدية والسدود، وإنشاء شبكة اتصالات من الجيل الخامس. وكما أظهرت ميزانية العراق لعام 2019، فإن خطة الحكومة المركزية لإعادة الإعمار والإنتعاش تعتمد على إنعاش وتوسيع قطاع النفط. بالإضافة إلى ذلك، يعتبر النفط أمراً حيوياً لرفاهية الاقتصاد العراقي، إذ يشكل 65 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، و100 في المئة من عائدات التصدير، و90 في المئة من إيرادات الحكومة المركزية.
وعلى الرغم من أن إنتاج النفط العراقي انخفض إلى النصف تقريباً؛ بسبب الاضطرابات التي تشهدها البلاد وتقلب الأسعار، من المهم الإشارة إلى أن قطاع النفط يواجه بنية تحتية متضررة وقديمة، فضلاً عن نقص في خطوط الأنابيب والقدرة على التصدير. وتعاني البلاد أيضاً من نقص حاد في الكهرباء والمياه الصالحة والكافية، وفضلاً عن ذلك، هناك حاجة ملحة لإصلاح مصفاة بيجي وإصلاح قطاع المصافي النفطية لتلبية الطلب المحلي على المنتجات المكررة.
ويمتلك العراق القدرة على تحقيق أهداف إنتاج النفط الجديدة البالغة 2/6 مليون برميل يومياً بنهاية عام 2020، و9 ملايين برميل يومياً بنهاية عام 2023، وتتوقف السيطرة على فائض الغاز المصاحب من الحقول في محافظة البصرة الغنية بالنفط على توفير المياه الكافية لإعادة حقن مكامن النفط. ومن هذا المنطلق، فإن بغداد لديها خطط طموحة لبناء مشروع متكامل في جنوب العراق. ومع ذلك، فقد واجه مشروع البنية التحتية المهم هذا العديد من التأخيرات وتم تقليص نطاق العمل بنحو كبير. وبإمكان العراق -الذي لم يتمكن حتى الآن من التعاون مع إكسون موبيل ExxonMobil- بناء شبكة أوسع ومشاركة هذا المشروع الكبير مع الشركات الأجنبية الأخرى. ويمكن أن تكون الآفاق المشرقة لهذا المشروع هي وجهة أكثر من 60 بالمئة من صادرات العراق من النفط الخام إلى آسيا. في الواقع، يحاول مشروع إكسون، وبترو تشاينا PetroChina، جلب شركات صينية أخرى للمشاركة في أعمال البنية التحتية، ويمكن أن تكون هذه العملية (سيناريو) مقبولاً بالنظر إلى طبيعة واتجاه العلاقات الصينية العراقية.
في الواقع، يعد التعاون في مجال الطاقة حجر الأساس للشراكة الاستراتيجية بين الصين والعراق، ولطالما كان التعاون الصيني العراقي في مجال الطاقة أساس العلاقات الثنائية.
وکانت شركة هندسة وإنشاءات البترول الصينية CPECC، وهي شركة تابعة لمؤسسة البترول الوطنية الصينية CNPC، باعتبارها أول شركة نفط صينية بدأت فی العمل في العراق في عام 1981. وبعد أكثر من عقد بقليل، أصبح العراق وجهة “خروج” مهمة لشركة البترول الوطنية الصينية NOC، وبدأت شركات النفط الوطنية الصينية في العراق من قبل CNPC، وهي أكبر شركة نفط وغاز مملوكة للدولة في الصين، التي وقعت في عام 1997 اتفاقية تقاسم الإنتاج PSC مع نظام صدام حسين لتطوير حقل نفط الأحدب، وهو المشروع الذي تم تأجيله نتيجة لعقوبات الأمم المتحدة ضد العراق والغزو الذي تعرضت له البلاد فيما بعد بقيادة الولايات المتحدة.
لقد تعطلت تجارة الصين في العراق بشدة خلال الفترة ما بين عامي 2003 وحتى 2007. وانسحبت الشركات الصينية أساساً من إعادة إعمار العراق بعد الحرب بسبب شبه احتكار الولايات المتحدة والشركات الغربية الأخرى للمشاريع في العراق، وكذلك المستويات العالية من أعمال العنف والمليشيات، والتأخير في المصادقة على قانون جديد بشأن المواد الهيدروكربونية.
وانضمت الصين إلى معاهدة دولية مع العراق في محاولة لاستئناف وجودها في العراق وتعهدت بتقديم نحو 5/6 مليون دولار في شكل مساعدات لقطاعي الصحة العامة والتعليم، وتنازلت عن 80 في المئة من الديون، هذا في حال أن الحكومة العراقية مدينة للصين بحوالي 8/5 مليار دولار. وتم توقيع اتفاقيتين تهدفان إلى تعزيز التعاون الاقتصادي خلال لقاء بين رئيس الوزراء العراقي آنذاك نوري المالكي ونظيره الصيني وين جيا باو في بكين في يوليو 2011. وقال وين جيا باو إن بكين ستساعد في إعادة إعمار العراق، والإعفاء من الديون، وتوسيع التعاون في مجالي النفط والغاز. وفي نهاية عام 2013، تفوقت الصين على الولايات المتحدة كأكبر مستثمر أجنبي في العراق وتجاوزت الولايات المتحدة كأهم شريك تجاري للعراق.
النتيجة
لقد تطورت العلاقات الصينية العراقية في السنوات الأخيرة. وفي عام 2015، قام البلدان برفع مستوى علاقتهما إلى شراكة استراتيجية. وتخطت التجارة الثنائية بين العراق والصين 30 مليار دولار في عام 2018، مما جعل العراق ثالث أكبر مصدر للنفط الصيني المستورد. إن التعاون في مجال الطاقة هو أساس العلاقات الثنائية بين البلدين، وتشارك الشركات الصينية الآن في عمليات المنبع، ومنتصف المجرى، والمصب في العراق. ومع ذلك، من المهم ملاحظة أن الاستثمار الصيني في العراق لا يركز فقط على التنقيب عن النفط، وإنما على البنية التحتية مثل محطات الطاقة ومحطات الأسمنت ومحطات معالجة المياه أيضاً.
وتعمل الشركات الصينية حالياً على مشاريع البناء الرئيسة والضخمة في العراق، بما في ذلك شركة شنغهاي الكتريك Shanghai Electric، وشركة إنتاج مواد البناء الصينية China Building Materials، وشركة الصين الكهرومائية لتوليد الطاقة China Hydroelectric Power Plant. وإن شركة سيتيك CITICللإنشاءات كمورد ائتماني ومقاول هندسي، وشركة المشتريات والبناء (EPC) تعملان على بناء محطة توليد كهرباء ذات دورة مركبة في محافظة ميسان. ويمكن اعتبار نجاح الصين في العراق على أنه مزيج من المخاطرة والمقاومة والحظ السعيد والسياسات الدبلوماسية الماهرة والمحنّكة.
وفي قطاع الطاقة على وجه الخصوص، فإن شركات النفط الوطنية الصينية، التي أدت دوراً رائداً في الائتلافات التجارية التي تدير حقول النفط العراقية الرئيسة، استغلت المخاوف الأمنية لشركات النفط الغربية الدولية IOCs وهاجس الفساد المحلي الذي جعلها مترددة في الاستثمار أو المشاركة في العراق. وأبدت الشركات التجارية الصينية أيضاً ميلاً لقبول شروط مالية أكثر صرامة من قبل المنافسين، وحققت مكاسب من جهودها الرامية لبناء علاقات مع أصحاب المصلحة المحليين وأداءها في تنفيذ مشاريعها.
الهوامش:
1- ديجانج صن، أستاذة في معهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة شنغهاي للدراسات الدولية (الصين)
المصدر:
المركز الدولي لدراسات السلام IPCC https://b2n.ir/189913