واجه مركز البيان للدراسات والتخطيط صعوبات في عقد مؤتمره السنوي الثالث لعام 2020 والذي كان يحمل عنوان «التعليم العالي في العراق: مقاربات نقدية ورؤى استشرافية»، وذلك إثر تفشي جائحة كورونا في العراق والعالم. وكشف تفشي هذا الوباء الضعف البنيوي لمؤسسات الدولة في مختلف القطاعات ومن أهمها قطاعي التربية والتعليم. وعلى الرغم من أن التعليم العالي في العراق حقق قفزات كمية مهمة طيلة السنوات القليلة الماضية تمثلت بارتفاع عدد الجامعات والكليات الحكومية والأهلية الى 35 و 62 على التوالي، فضلا عن ارتفاع عدد المقبولين من طلبة الجامعات الى نحو 190 الفا، و31 الفا اخرين في الدراسات العليا، الا ان كل ذلك لم يعن تجاوزا للمشكلات الحقيقية التي منعت الأساتذة والخريجين من مواكبة المعرفة العلمية وفقا للمعايير المعتمدة دوليا.
وقد تمثّلت المشكلة الأساسية في التعليم الجامعي بعدم وجود خطط استراتيجية تبين متطلبات سوق العمل، مما أدى إلى اهمال التعليم التقني والمهني بشكل كبير. كما أن الاهتمام بالمستويات الكمية دفعت بالمعايير النوعية الى الإهمال وهو ما ظهر بقلّة التركيز على تحسين المعرفة الميدانية والمختبرية والبنى التحتية التي تعتمد الحوكمة.
وبقيت الجامعات العراقية الحكومية، ومن ثمّ الأهلية، نسخة مكررة لجامعة واحدة نظرا لغياب الاستقلالية في القرار الإداري، فضلا عن الاستقلالية في القبول الجامعي، وهو ما اضطر الجامعات والكليات الى قبول مستويات متدنية أحيانا من مخرجات التربية لأسباب مختلفة منها سياسية، وأخرى ضغط الشارع او عوامل أخرى غير منظورة.
ولم تنته المشكلات في التعليم العالي ففي مجال التقييم والتقويم ومعايير التطوير وتحسين الجودة والأداء، لم تحقق الجامعات العراقية نجاحا يذكر، فيما بقيت المجلات العلمية المحكمة والمناقشات العلمية في الدراسات العليا والاهتمام باللغات الحية بعيدة عن المعايير المطلوبة.
وقد دأب مركز البيان للدراسات والتخطيط على التركيز على المشكلات المؤسسية عسى وأن تخدم صناع القرار والمعنيين من اجل تكوين صورة عن الواقع ومقترحات من أصحاب الشأن والمختصين والمهتمين الحريصين على بناء الدولة العراقية.
هذا الكتاب مثّل البحوث والدراسات التي بعث بها الباحثون لمؤتمرنا الذي لم يحالفه الحظ في الانعقاد، لكننا سعداء بنشرها في هذا المؤلّف، الذي نحسبه كتابا مهما في مجاله ومفيدا في توصياته ومخرجاته. ولا يسعنا الا ان نشكر الجهود المخلصة التي بذلها أعضاء اللجنة العلمية كل من: الدكتور عدنان ياسين مصطفى، والدكتور عبد الرحمن نجم المشهداني، والدكتور احمد الجعفري، الذين تكفّلوا باختيار وتقويم البحوث الموجودة بين يدي القارئ الكريم من بين 39 بحثا ودراسة مختلفة بعث بها المختصون من مختلف الجامعات والمراكز العلمية داخل وخارج العراق.