فرهاد وفائي فرد: طالب دكتوراه في فرع العلاقات الدولية، معهد التبيين للدراسات الاستراتيجية.
على الرغم من أن مجموعة الأزمات الدولية سعت إلى إيجاد سبل لتهدئة التوتر وخفض التصعيد في شرق البحر المتوسط، ولكن تنوع الجهات الفاعلة وتضارب المصالح والرغبات، من المحتمل أن تحول المنطقة إلى بؤرة للصراع.
استعرضت مجموعة الأزمات الدولية [1] في مذكرة تحليلية [2]، الصراع التركي اليوناني في منطقة شرق البحر المتوسط، ودور الاتحاد الأوروبي، وسبل خفض التصعيد عبر طرح السؤال التالي: “كيف يمكن الحد من التوترات في شرق البحر المتوسط؟“
ويحلّل هذا التقرير بداية إحداثيات النزاعات القائمة، والقضايا والتحديات، ثم يتناول مساعي الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا. وفي الختام يقدم التقرير حلولاً للخروج من الوضع الحالي، ويؤكد على أنه من خلال اتخاذ سلسلة من الإجراءات المتبادلة من قبل تركيا وأعضاء الاتحاد الأوروبي، يمكن تخفيض التوترات في شرق البحر المتوسط. المقال التالي عبارة عن ترجمة وملخص ونقد لتقرير مجموعة الأزمات الدولية حول التطورات في البحر المتوسط.
إحداثيات الصراع في شرق المتوسط
على وفق تقرير مجموعة الأزمات الدولية، وعلى الرغم من تراجع تركيا واليونان عن حافة المواجهة العسكرية، إلا أن المشكلات ما تزال قائمة. لقد رحب القادة الأوروبيون بعلامات المصالحة بين طرفي الصراع ودعوهما إلى الحوار، وفي هذا السياق، دفعت المشاورات بين القادة الأوروبيين والطرفين أنقرة إلى سحب سفينة الأبحاث التركية “أوروتش ريس” من البحر المتوسط، واجتماع المسؤولين العسكريين للبلدين في مقر الناتو.
ويقول التقرير إن ثلاثة عوامل مهمة تسببت في توتر العلاقات بين أنقرة وأثينا. العامل الأول للتوتر يتمثل في خلاف الطرفين حول قبرص والحدود البحرية التركية مع اليونان على الساحل الجنوبي لهذا البلد وحول بحر إيجه أيضاً. تسعى تركيا واليونان للسيطرة على البحر والسماء وجزر البحر الأبيض المتوسط. وأجرى الطرفان في عام 2002، محادثات مطولة ومفصلة حول ترسيم حدود بحر إيجه، الذي يضم أكثر من 2400 جزيرة، معظمها يونانية؛ وهذه الجزر، من ناحية أخرى، هي طرق ملاحية بحرية لتركيا، وضرورية لاقتصاد البلاد وأمنها. والمحادثات المذكورة فشلت في عام 2016.
العامل الثاني للتوتر هو استكشاف حقل للغاز بالقرب من قبرص. وازداد الاستكشاف في منطقة شرق المتوسط من قبل الشركات العالمية بعد عام 2011. وتظهر نتائج هذه الاستكشافات أنه إذا تمكنت قبرص من إبرام عقود مع الدول الساحلية لبناء البنية التحتية لتصدير الطاقة، فإن اقتصاد البلاد سيتطور وسيتم تعزيز أمن الطاقة في الجزر، وستنخفض أسعار الطاقة؛ وفي ظل هذه الظروف، تميل تركيا إلى أن تصبح مركزاً للطاقة في أوروبا وتقلل من اعتمادها على مصادر الطاقة الروسية أيضاً. ومع قرار قبرص ومصر والكيان الصهيوني واليونان بمد خط أنابيب إلى أوروبا، أرسلت أنقرة سفينتها الاستكشافية إلى شمال شرق وغرب قبرص.
العامل الثالث للتوتر من وجهة نظر مجموعة الأزمات هو سياسة تركيا الخارجية في غرب آسيا، التي أدت إلى انجرار أطراف أخرى إلى صراعات المنطقة. حيث في أعقاب ما يسمى بتطورات الربيع العربي في عام 2011، سعت أنقرة إلى دعم وصول جماعة الإخوان المسلمين إلى سُدة الحكم. إن دعم تركيا لمحمد مرسي في مصر وحكومة الوفاق الوطني الليبية وتوقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع هذه الحكومة، من ضمن الإجراءات التركية المثيرة للتصعيد، التي دفعت اليونان إلى توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع مصر. بعد ذلك، فتحت التطورات في ليبيا الباب أمام الإمارات للتدخل في منطقة شرق المتوسط، كما دعم الكيان الصهيوني اليونان. وإيطاليا أيضاً، التي تمتلك شركة “إيني” [3]، وهي واحدة من أكبر مقاولي النفط والغاز في منطقة شرق المتوسط، تسعى إلى دعم اليونان كعضو في الاتحاد الأوروبي وقبرص، وكذلك مصر بشأن اتفاقيات التنقيب الإيطالية مع القاهرة. ويشير التقرير إلى دخول فرنسا في أحجية التطورات المتوسطية، حيث تقدمت بطلب للانضمام إلى جمعية غاز شرق المتوسط، التي تضم قبرص، وإيطاليا، والكيان الصهيوني، واليونان، ومصر، والأردن، وفلسطين.
لدى باريس عدة خلافات مع أنقرة. في حزيران، حاولت سفينة حربية فرنسية تفتيش سفينة تركية في إطار حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا. وهو الحدث الذي زاد من حدة التوتر بين الطرفين.
وفي هذه الأثناء، تشعر تركيا بأنها محاصرة من قبل أطراف أخرى وبصورة متزايدة بمئات الجزر اليونانية. تخشى أنقرة الانفصال عن جزء مهم من بحر إيجه وطرقه البحرية، وتوسع اليونان من جانب واحد مياهها الإقليمية. وصرح دبلوماسيون أتراك لمجموعة الأزمات أن تركيا تريد “حصة عادلة” من موارد الغاز في البحر المتوسط. ومن ناحية أخرى، تشعر اليونان بالقلق بشأن أمن المئات من جزرها التي تقع بالقرب من الحدود التركية، وتعتقد أن نهج تركيا العدواني يؤدي إلى تفاقم الصراع.
مساعي الجهات الفاعلة الدولية ونشاطها
يتناول التقرير في قسم آخر، الدور الذي تؤديه الجهات الفاعلة الدولية في التطورات في شرق البحر الأبيض المتوسط. لقد جاء اندلاع صراع البحر الأبيض المتوسط في عام 2020 في وقت يتراجع فيه دور القيادة العالمية للولايات المتحدة. لقد كانت الولايات المتحدة تخفف في الماضي من حدة التوترات بين تركيا واليونان في شرق البحر المتوسط. في عام 1996، توسطت الولايات المتحدة بين الطرفين حول النزاع الذي حصل بينهما حول جزيرتين، مما أجبرت القوات التركية على الانسحاب من جزيرة صخرية في صراع مع اليونان. لكن هذه المرة بدت واشنطن أقل حيادية تجاه الوضع القائم. وفي هذا الصدد، سافر وزير الخارجية الأمريكي “مايك بومبيو” إلى قبرص في 12 أيلول، وقام دونالد ترامب برفع حظر أسلحة دام ثلاثة عقود على الحكومة اليونانية (الجزء اليوناني) في 15 أيلول.
ولكن روسيا، على عكس الولايات المتحدة، تحاول لعب دور في التطورات في منطقة شرق البحر المتوسط؛ على الرغم من أنها لم تنجح حتى الآن. وكانت موسكو بسبب علاقاتها الجيدة مع جمهورية قبرص، أعلنت بأنها مستعدة للمساعدة في تنظيم حوار بين قبرص وتركيا بشأن استكشاف الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط. لكن أنقرة رفضت هذا المقترح. تحاول جمهورية قبرص منذ أشهر إضافة المزيد من الأفراد والشركات التركية إلى قائمة الأشخاص الممنوعين من السفر إلى أنقرة. لكن هذه الإجراءات لم تحظ بعد بالحصول على الدعم الكامل من قبل أعضاء الاتحاد الأوروبي. وعموماً، فإن الاتحاد الأوروبي حاول في الأشهر الأخيرة تقديم حوافز جديدة لتركيا، وذلك بهدف بدء المحادثات.
وأيدت فرنسا واليونان والنمسا فرض عقوبات على أنقرة قائلة إن أي فجوة في الاتحاد ستقوي “نهج رجب طيب أردوغان” العدواني. ومع ذلك، فإن ألمانيا، بولندا والمجر وجمهورية التشيك وسلوفاكيا على استعداد لإجراء محادثات مع أنقرة؛ لأن هذه الدول قلقة من تحرك تركيا المتبادل في فتح الطريق أمام المهاجرين إلى أوروبا. من ناحية أخرى، فإن إيطاليا ومالطا وإسبانيا، التي لها مصالح مشتركة مع تركيا في ما يتعلق بالأزمة الليبية، مترددة في دعم عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد أنقرة. وفي إحدى هذه المبادرات الواعدة، دعا رئيس مجلس أوروبا أنقرة للمشاركة في مؤتمر متعدد الأطراف بحضور قادة الدول لحل الخلافات ومعالجة قضايا مثل تقاسم عائدات الغاز، ومسألة المهاجرين وتحديد الممرات البحرية.
متطلبات الأنشطة والمساعي الأوروبية
ويتطرق التقرير في الختام إلى متطلبات مساعي وعمل الاتحاد الأوروبي للحد من التوترات في شرق البحر المتوسط. ويؤكد على أنه يجب على قادة الاتحاد الأوروبي تخصيص المزيد من الوقت للمحادثات بدلاً من التركيز على العقوبات؛ لأن الإجراءات العقابية مثل منع الشركات التركية من دخول موانئ الاتحاد الأوروبي، والعقوبات القطاعية، وخفض الميزانيات المخصصة لتركيا لتسهيل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي أو الإلغاء الكامل لترشيح تركيا لعضوية الاتحاد الأوروبي، تؤدي إلى تعزيز مواقف المتطرفين في السياسة الداخلية التركية.
وتوجد لدى ألمانيا مكانة جيدة لإقناع تركيا ببدء المحادثات؛ لأن ألمانيا هي أكبر شريك تجاري في الاتحاد الأوروبي لتركيا وأهم مستثمر أجنبي داخل الاتحاد في تركيا. وإن “أنجيلا ميركل” تتمتع بعلاقات جيدة مع أردوغان. ومع ذلك، يجب على تركيا أيضاً إبقاء سفينتها الاستكشافية راسية على شواطئها؛ وعلى الرغم من أن المسؤولين الأتراك أعلنوا أن السفينة ستعود إلى مهمتها بعد إصلاحات طفيفة، يمكن أن يكون إيقاف عمليات الاستكشاف والتنقيب عن النفط والغاز على أساس أنموذج طُبق بين عامي 2002 و2016 فعالاً أيضاً. وإلى جانب هذه القضايا، يمكن اعتبار المشاريع المشتركة طريقة أخرى لتقليل التوتر.
وكذلك ضرورة ترسيم الحدود البحرية من خلال الحوار الشامل وتجنب التدريبات العسكرية وتجنب الخطب الاستفزازية، هي من ضمن التوصيات الواردة في التقرير لتهدئة التوترات بين أثينا وأنقرة.
الاستنتاج والتقييم
يقول تقرير مجموعة الأزمات الدولية إنه على الرغم من التوترات المتزايدة بين تركيا واليونان، يمكن وضع مجموعة من الاستراتيجيات لتخفيض التوترات. وأرجع التقرير دوراً خاصاً إلى تصرفات أنقرة وأثينا السلبية، مثل مبادرة أنقرة لإعادة إرسال سفينتها الاستكشافية إلى المناطق المتنازع عليها، وتجنب الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على تركيا. وعلى وفق التقرير المعني، فإن الاتحاد الأوروبي هو أهم لاعب يمكنه إدارة التوترات في البحر الأبيض المتوسط.
ومع ذلك، لم يتناول التقرير بعض الخلافات الرئيسة داخل الاتحاد الأوروبي، والتي تمنع اتباع نهج واحد للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي. وفي هذا السياق، لا يبدو أن الاتحاد يتمتع بقدر كبير من النفوذ الفعال للتأثير على تركيا ودون تقديم أي تنازلات.
وهناك قضية أخرى يمكن أن تؤدي إلى تفاقم التوترات بين تركيا ومنافسيها الأوروبيين في البحر الأبيض المتوسط، وهي عودة تركيا إلى السياسة الخارجية العدوانية، وعودة ظهور الهوية العثمانية في نهجها الإقليمي، والجهود المبذولة لإعادة بناء الثنائية بين الإسلام والمسيحية في الوقت الحاضر، وهي قضية من المحتمل أن تزيد من نطاق المواجهة التركية مع أوروبا.
على أي حال، وبغض النظر عن النهج الذي تتبعه الجهات الفاعلة التي تؤثر على التطورات في شرق البحر الأبيض المتوسط ، فمن غير المحتمل أن تؤدي عتبة الصراع في المنطقة إلى اشتباكات عسكرية على المدى القصير؛ ولكن نظراً للظروف التي تحكم العالم في الوقت الحالي، حيث تتقدم عمليات توزيع السلطة، فإن أي حدث سيكون ممكناً.
المصدر: