مَن لا يفهم التاريخ أو لا يستطيع فهمه؛ فلن يفهم الحاضر، ومن يُنكر حقائقَ التاريخ؛ فهو بالضرورة مُنكر لحقائق الواقع؛ حتى وإن لم يُصرِّح بذلك. يقول ابن خلدون: “إن التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الإخبار، ولكن في باطنه نظر وتحقيق”، فالشعوب التي لا تقرأ التأريخ تبقى أبد الدهر تابعة ومُهدّدة، لا تعي من حقيقة الواقع إلا الظاهر، ولا تتمكن من بناء المستقبل”. ولعلّ أبلغ وصف لأهمية التأريخ جاء على لسان الرئيس الأمريكي “هاري ترومان” عندما قال: “المستقبل هو ما لم نعرفه من التأريخ”.
نسوق هذه المقدمة لنتناول أكبر عملية “تلاعب مالي” تعرض لها العالم عبر تأريخ البشرية الطويل، وهي عملية استبدال الذهب بالدولار الأمريكي التي أصابت الاقتصاد العالمي في الصميم وحطمت النماذج التقليدية للأنظمة المالية والتي كان خلفها رجل واحد هو “هنري كيسنجر”؛ تلك العملية التي يحلو للبعض أن يسميها أكبر عملية نصب في التاريخ ولكنها في الحقيقة لم تكن كذلك فالنصب بصورة عامة يعرف بأنه “الاستيلاء على مال منقول مملوك للغير باستخدام احدي وسائل التدليس المنصوص عليها في القانون بنية تملكه .”أو “الاستيلاء على شيء مملوك، بطريقة احتيالية بقصد تملك ذلك الشيء”؛ وهذا التعريف لا ينطبق على الحالة التي نحن أمامها التي هي عملية تلاعب تجارية فرضتها عوامل القوة والضعف في الميزان السياسي والتجاري قام من خلالها رجل واحد باستغلال الظروف العالمية من أجل تغيير القوالب المالية العالمية التي كانت سائدة.
ولنتعرف على القصة وكيف نجح اللاجئ اليهودي الألماني المولد والحاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة هارفارد في العلوم السياسية أن يهدم المبادئ التي عمل على وضعها أشهر علماء الاقتصاد في القرن العشرين جون كينز البريطاني وهنري وايت الأمريكي. وكيف استطاع ثعلب السياسة الأمريكية أن يوظف العامل النفسي لدى العرب وفكرة التضامن العربي لإقناعهم في الاشتراك في “لعبته التأريخية” عبر خلق خرافة “رغبة الملك فيصل في الصلاة في المسجد الأقصى” وقطع النفط عن دول الغرب خلال حرب “تشرين” 1973. وفي سياق السرد سنحاول الإجابة عن الأسئلة الآتية: ما معنى النظام المالي العالمي؟ معنى قاعدة الذهب؟ معنى بريتون وودز؟ ما دور الصراع بين عائلتي روتشليد وعائلة روكفلر؟ كيف تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من أن تصبح قائدة العالم اقتصادياً؟ ما معنى “صدمة نيكسون”؟ من كان وراء حرب تشرين 1973؟ ما دور السعودية والدول العربية في ظهور مصطلح “البترودولار”؟ لماذا صمت العالم على عملية التلاعب؟ ولنبدأ القصة من البداية.