عبد الرحمن فتح إلهي، موقع الدبلوماسية الإيرانية.
مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، والاحتمال المتزايد لفوز جو بايدن في الانتخابات، يبدو أن الأجواء السياسية والإعلامية في البلاد باتت تتأثر من هذه الانتخابات، وتسعى إلى تشويه صورة حكومة الرئيس روحاني والتيار السياسي الداعم له، الذي تكون لديه نظرة جادة لفوز بايدن، وهو المرشح الذي دعا إلى العودة للاتفاق النووي، ورفع بعض العقوبات المفروضة على إيران، ومحاولة نزع فتيل التوترات معها. لقد أدى استمرار هذه التعبئة الإعلامية وتكثيفها إلى دفع البلاد عملياً إلى القطبية الثنائية، ولكن ماذا سيكون تأثير هذه الانقسامات السياسية والإعلامية داخل إيران على الوضع الداخلي في البلاد؛ بسبب أجواء الانتخابات الأمريكية؟ وفي حال فوز بايدن، هل ستسمح الحقائق الدبلوماسية في ساحة التوترات القائمة بين طهران وواشنطن للطرفين باستئناف التفاوض؟ هل هناك فرق بين انتصار جو بايدن، أو دونالد ترامب كما يقول منتقدو المفاوضات الإيرانية الأمريكية؟ للإجابة عن هذه الأسئلة وما شابهها، حاور موقع الدبلوماسية الإيرانية السيد أحمد نقيب زادة، وهو أستاذ جامعي وخبير في الشؤون الدولية، ونص الحوار كالآتي:
مع اشتداد حرارة المنافسة في الانتخابات الرئاسية الأمريكية واقتراب الثالث من تشرين الثاني (يوم الانتخابات)، نشهد تعبئة سياسية وإعلامية داخل البلاد ضد الفوز المحتمل لجو بايدن، وهي التعبئة التي يريد منظموها الفوز لدونالد ترامب مرة أخرى. على الرغم من أنهم يزعمون دائماً بأن فوز بايدن أو ترامب لا يحدث فرقاً في أوضاع البلاد.
في هذا الصدد، يبدو أن الحكومة والتيار السياسي الذي يدعمها لديهما رغبة جادة في فوز جو بايدن؛ لأنه رفع شعار العودة إلى الاتفاق النووي، ورفع بعض العقوبات المفروضة على إيران، ومحاولة نزع فتيل التوترات مع جمهورية إيران الإسلامية. ويأتي هذا في حال أن التيارات السياسية والإعلامية المنتقدة للحكومة قلقة جداً بشأن فوز بايدن. برأيك،
ما سبب هذه القطبية الثنائية في البلاد، والمتأثرة بالانتخابات الرئاسية الأمريكية؟ هل أدى مجرد تأثير نتائج الانتخابات الأمريكية على الوضع في البلاد إلى تكوين هذه الازدواجية، أم أنك تعتقد أن هناك أسباباً أخرى لذلك؟
من المؤكد أن السبب الأكثر أهمية يعود إلى عامل تأثير نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية نفسه؛ لأنه بسبب التأثير المباشر لنتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية على الوضع في البلاد، ولاسيما في المجالات الدبلوماسية والاقتصادية والمعيشية، يبدو أن القوى السياسية في المجتمع الإيراني تتأثر أيضاً بشدة بالتطورات السياسية المحلية في الولايات المتحدة. وبطبيعة الحال، فإن نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وبالنظر إلى الأهمية الخاصة لهذا البلد باعتباره قوة عظمى، لديها تأثير مباشر على كل العلاقات العالمية والتطورات في العديد من البلدان؛ وبالتالي، فإن إحدى الدول التي ستتأثر بنحو كبير من هذه الانتخابات هي إيران؛ وبالتالي فإن الشخصيات والأحزاب والتيارات السياسية الإيرانية، ينظرون إلى فوز جو بايدن أو دونالد ترامب حسب الذوق السياسي للفصيل الذي ينتمون إليه.
ولكن تعقيباً على ما قلته أنت، للأسف، لا بد من الاعتراف بهذه النقطة أن تأثير الازدواجية السياسية والاجتماعية والإعلامية المحلية تجاه فوز جو بايدن أو دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية على الأوضاع في إيران، وصل إلى حد حيث سيكون تأثير نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية في حال فوز جو بايدن لصالح الشعب والحكومة ومجموعة مما يسمى بالتيارات السياسية الإصلاحية والمعتدلة في إيران، وسيكون على حساب النظام، ومن ناحية أخرى، فإن فوز دونالد ترامب سيكون لصالح النظام ومنتقدي الحكومة وعلى حساب الشعب والحكومة.
بمعنى أنه بحسب وعود جو بايدن وفي حال فوزه في انتخابات 3 تشرين الثاني، يبدو أن الأرضية ستكون مهيأة لفتح الأبواب الدبلوماسية بين إيران والولايات المتحدة، ونتيجة لذلك، ستتخلص البلاد من الاختناقات الحالية وتحديات سبل العيش نسبياً. في هذه الحالة، ستبرز قضايا مثل حقوق الإنسان في إيران وسوف تصبح أكثر وضوحاً من ذي قبل؛ ولذلك، فإن تلك الأجزاء من المجتمع المدني في البلاد، التي لم تكن في الهيكل الحاكم، تتوق بشدة إلى الفوز بايدن في الانتخابات، ولكن أولئك الذين يشعرون بالقلق إزاء هذا الوضع، والذين هم مستعدون لحرق الأخضر واليابس من أجل تحقيق مصالحهم الذاتية، بذلوا ويبذلون قصارى جهودهم في مجال الإعلام لمهاجمة هذه التيارات السياسية والمدنية خلال هذه المدة.
وهم يحاولون الترويج لهذه الفكرة في المجتمع بأنه لا يوجد فرق في الأساس بين فوز جو بايدن أو دونالد ترامب فيما يتعلق بمصالح الجمهورية الإسلامية والأمة الإيرانية، حتى تستمر الأوضاع في هذه الحالة أسوأ مما هي عليه في الظروف الحالية في البلاد، ومن ثم تميل الأجواء السياسية نحو التطرف. بينما يتجاهل هؤلاء السادة بشدة هذه القضية والفكرة في تحليلهم، أنه إذا استمر الوضع الحالي في البلاد وازدادت حدته، ولاسيما في المجالات الاقتصادية والمعيشية، والذي سيصبح أكثر خطورة وتفاقماً مع فوز ترامب مرة أخرى، سيكون هناك خطر انهيار الهيكل السياسي لجمهورية إيران الإسلامية بالكامل؛ ولذلك، في رأيي، هؤلاء السادة ووسائل الإعلام الخاصة بهم هم أعداء مصالح الأمة الإيرانية وحتى مصالح الهيكل السياسي لجمهورية إيران الإسلامية.
بعبارات أبسط وأوضح، فإن نظام جمهورية إيران الإسلامية ليس له قيمة لهؤلاء الناس، لكنهم يحاولون فقط البقاء على قيد الحياة والحفاظ على مصالحهم الشخصية والحزبية حتى يتم جر البلاد إلى هاوية الدمار والخراب، في حين أن فوز جو بايدن هو بالتأكيد في مصلحة الشعب الإيراني والجمهورية الإسلامية الإيرانية.
لكن الكثيرين من التيار نفسه في داخل البلاد، وحتى من التيار المؤيد لانتصار بايدن، يعتقدون أن حملة جو بايدن ووعوده بالعودة إلى الاتفاق النووي، ورفع بعض العقوبات، ومحاولة تخفيف التوترات مع جمهورية إيران الإسلامية، هي ببساطة؛ بسبب أجواء الانتخابات، ويجب التفريق بين جو بايدن الحالي والرئيس جو بايدن؛ لأنه لن يتراجع ببساطة عن أدوات العقوبات الحالية وسياسة دونالد ترامب للضغط الأقصى، وأي إجراء للوفاء بوعوده بشأن إيران (العودة إلى الاتفاق النووي، رفع العقوبات أو محاولة تخفيف التوترات) يخضع لإعادة عملية التفاوض، والتزام طهران ببعض الشروط المسبقة.
لذا بالنظر لهذه المعطيات، هل ما زلت تعتقد أن هناك فرقاً بين انتصار دونالد ترامب أو جو بايدن بالنسبة لإيران؟ هل يمكن لانتصار جو بايدن أن يكون في صالح البلاد حقاً؟
نعم، جميع النقاط التي أشرت إليها أنت صحيحة على الاطلاق. بمعنى آخر، إذا فاز بايدن في الانتخابات وتولى السلطة، لن يتراجع ببساطة عن أدوات العقوبات الحالية وسياسة دونالد ترامب للضغط الأقصى، وأي إجراء للوفاء بوعوده بشأن إيران (العودة إلى الاتفاق النووي، رفع العقوبات أو محاولة تخفيف التوترات) يخضع لإعادة عملية التفاوض، وقبول طهران ببعض الشروط المسبقة، خاصة وأن دونالد ترامب وضع لنا الشروط بعد خروجه من الاتفاق النووي بطريقة، بحيث حتى لو أراد جو بايدن العودة إلى الاتفاق النووي دون شروط مسبقة، فلن يكون الأمر سهلاً.
ولسوء الحظ، لقد أدت سلسلة الأحداث التي وقعت بين إيران والولايات المتحدة في مختلف المجالات خلال السنوات الثلاث الماضية إلى وصول التوترات بين طهران وواشنطن إلى ذروتها؛ ولذلك، فإن مسألة إجراءات تقليص التوترات من قبل بايدن ستكون صعبة للغاية وسوف تستغرق وقتاً طويلاً، وستكون معقدة وفي الوقت نفسه مصحوبة بشروط مسبقة ومفاوضات. ولكن بنحو عام ومع كل هذه التفسيرات، يجب النظر في هذه النقطة المهمة أنه يجب التفريق بين فوز ترامب أو جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأمريكية فيما يتعلق بتحقيق المصالح الإيرانية؛ لأنه إذا فاز جو بايدن، فسيتم إرسال موجة طاقة دبلوماسية إيجابية واحدة على الأقل من واشنطن إلى إيران والعالم بأسره؛ موجة طاقة إيجابية تخفف من هذا القدر من الضغط النفسي والذعر لدى الناس داخل إيران تجاه مستقبلهم الاقتصادي والمعيشي والأمني بنحو كبير.
ويمكن لهذا العامل في حد ذاته أن يخلق أجواء إيجابية في البلاد، حتى لو أراد بايدن التفاوض ووضع شروط مسبقة للوفاء بوعوده تجاه إيران؛ لأنه على أي حال، جو بايدن يبحث عن حل دبلوماسي وسياسي لتخفيف التوتر مع جمهورية إيران الإسلامية وهناك رغبة جادة للتفاوض من جانبه، بينما لم تكن لدى دونالد ترامب أي رغبة في التفاوض وكانت أداة الدبلوماسية بالنسبة له مجرد بضع صور تذكارية وعرض تلفزيوني. على أي حال، إن ترامب ليس سياسياً ولا دبلوماسياً، بل سمساراً ورجل أعمال، ويجب على المرء أن يميز بين السياسي والسمسار.
ومن هذا المنطلق، بالتأكيد سيكون هناك فرق كبير بين فوز جو بايدن أو دونالد ترامب. أجل، على الرغم من أن نظام وهيكل الحكم في الولايات المتحدة لا يسمحان لرؤساء الولايات المتحدة من أي حزب سياسي كانوا، بالعمل ضد المصالح الأمريكية، لكن من المؤكد أن الاختلافات السلوكية والتكتيكية لكل من الرؤساء الأمريكيين يمكن أن تكون مؤثرة على الأوضاع في إيران، وعلى المتطلبات العالمية أيضاً. وإن لا أحد داخل البلاد ينكر حقيقة أنه على الرغم من أن محمود أحمدي نجاد وحسن روحاني كانا رئيسين لجمهورية إيران الإسلامية، وكلاهما حاولا في النهاية إلى تحقيق مصالح النظام والحكومة الإيرانية، إلّا أن الفرق بين نهج السياسة الخارجية والسياسة الداخلية للحكومتين التاسعة والعاشرة مع الحكومتين الحادية عشرة والثانية عشرة واضح جداً.
بالمناسبة، كانت وجهات نظر نجاد الخاطئة وشعاراته العبثية المبالغ فيها هي التي بدأت الانحرافات وجعلت البلاد تواجه التحديات الواسعة، حيث ما زال الشعب يعاني منها ولا يبدو أننا سنتخلص من تبعاتها قريباً.
أجل، لا يستطيع الرؤساء في إيران إجراء تغييرات جذرية وأساسية واستراتيجية في مجال الدبلوماسية أو الهياكل السياسية للبلاد، ولكن هذا الحد الأدنى لمواقف رؤساء الجمهورية، وهذه التصرفات والقرارات التكتيكية الخاصة بهم باعتبارهم على رأس السلطة التنفيذية في إيران، تجاه السياسة والدبلوماسية والاقتصاد والثقافة والأمن والمجتمع، وما إلى ذلك، يمكن أن تكون فعالة ومؤثرة في تكثيف أو تعديل تحديات ومشاكل وصعوبات البلد في أبعاد مختلفة، وبالطريقة نفسها، فإن فوز بايدن أو ترامب يمكن أن يخلق بالتأكيد ظروفاً مختلفة لنا.
لقد ذكرت هذه المسألة الهامة أن دونالد ترامب بعد الانسحاب من الاتفاق النووي، رتب الأمور عبر اتباع سياسة الضغط الأقصى، حيث إن جو بايدن في حال فوزه لا يستطيع العودة بسهولة إلى الاتفاق النووي، حتى إذا تقدم طوعاً ودون مفاوضات وشروط مسبقة من أجل ذلك. وتبعاً لهذه المسألة، بالتأكيد إجراءات مثل محاولة قطع أو على الأقل فرض قيود صارمة على استيراد الأغذية والأدوية إلى البلاد، ولاسيما في ظل انتشار جائحة كورونا حالياً في إيران، أو الأوامر التي صدرت من قبل ترامب لاغتيال اللواء قاسم سليماني قد ألقت بظلالها الشديدة ووضعت عقبات جدية أمام إعادة التفاوض بين إيران والولايات المتحدة، وهي العقبات التي سيكون بالتأكيد من الصعب جداً لبايدن التغلب عليها. وفي السياق نفسه، هاجمت بعض وسائل الإعلام داخل البلاد بحدة موقف الرئيس روحاني من قضية صلح الإمام الحسن (ع) مع معاوية، ووصفته بأنه دافع سياسي لتمهيد الطريق لإعادة التفاوض مع الولايات المتحدة في المدة التي تسبق الانتخابات الأمريكية.
بالنظر إلى كل هذه النقاط، إلى أي مدى ترى أن المساحة الدبلوماسية للمفاوضات بين إيران والولايات المتحدة ستكون مهيأة في حال فوز جو بايدن؟
المسألة هنا تعود إلى الجبر الذي تفرضه الظروف. لأن إيران ليس لديها خيار سوى التفاوض مع الولايات المتحدة. حتى أنني أعتقد أن الوضع في البلاد، خاصة في مجالات الصحة وسبل العيش والاقتصاد، حرج للغاية، لدرجة أنه إذا فاز دونالد ترامب مرة أخرى، ينبغي علينا التفكير في التفاوض مع الولايات المتحدة أيضاً. لأنه بالتأكيد مع إعادة انتخاب دونالد ترامب، ستكون الظروف مواتية لزيادة الضغط على إيران من قبل البيت الأبيض أكثر من أي وقت مضى. في هذه الحالة، فإن جمهورية إيران الإسلامية بالتأكيد لن تكون قادرة على البقاء، ولا حتى على المدى المتوسط أو القصير. على أي حال، تواجه البلاد في الوقت الحاضر مجموعة من التحديات والمشكلات والمعضلات الاقتصادية، من التضخم والركود المتفشي إلى البطالة واتساع الفجوة بين تكلفة سلة الأغذية الأساسية والدخل المتوسط للأسرة، فضلاً عن الأزمة الصحية الناجمة عن تصاعد تفشي جائحة كورونا؛ وبسبب تضافر هذه المشكلات، فإن البلاد على وشك الانهيار الكامل، ونحن لا نستطيع تجاهل هذا التهديد المحتمل.
حتى مع وضع هذا التهديد المحتمل في الحسبان، يعتقد منتقدو سياسة إجراء المفاوضات مع الولايات المتحدة، أنه في ضوء التجربة المريرة للاتفاق النووي، فإن الولايات المتحدة هي في جوهرها جهة فاعلة لا يمكن الوثوق بها إلى حد كبير، بحيث حتى في حالة إعادة التفاوض وصياغة الاتفاقات، لا يمكن للمرء أن يأمل في التزام واشنطن، ولذلك، فإن التفاوض وإعادة الاتفاق مع الولايات المتحدة هو بمنزلة خطأ استراتيجي. ما ردك على هذا الكلام؟
لقد كسرنا بالفعل طابوهات (المحظور في نظر المجتمع) التفاوض مع الولايات المتحدة بشأن الاتفاق النووي؛ لذلك، بالتأكيد حتى لو أخذنا في الحسبان الظل الثقيل لبعض الأحداث والقرارات التي اتخذتها إدارة ترامب، وهي خاطئة جداً، مثل اغتيال اللواء قاسم سليماني أو محاولة منع استيراد الأدوية، والسلع الطبية في ظل أزمة انتشار جائحة كورونا في البلاد، مع ذلك، يمكن وضع المفاوضات مع الولايات المتحدة على جدول الأعمال من جديد، ومع هذا، فإن الدبلوماسية والتفاوض تعني استخدام الذكاء السياسي لإعطاء أقل تكلفة والحصول على أفضل فائدة؛ لذلك يمكننا بالتأكيد استخدام تجربة الاتفاق النووي في المفاوضات المقبلة، عبر أخذ ضمانات أكثر جدية من الاتفاق النووي، يمكننا تعزيز الموقف والمضي قدماً بطريقة أنه حتى مع تغيير الحكومات في أمريكا وظهور خيارات أكثر راديكالية من دونالد ترامب، لن تتمكن هذه الدولة من التنصل من التزاماتها؛ لذا فإن التفاوض بالتأكيد لا يعني تسليم إيران إلى الولايات المتحدة. علينا أن نعطي امتيازات ونحصل على امتيازات. ومن هذا المنطلق، أكرر أن فوز بايدن يمكن أن يوفر فرصة جادة للحكومة ونظام جمهورية إيران الإسلامية لإخراج البلاد من الوضع الحالي. صدقني، إن خطر العواقب المدمرة للوضع الداخلي أكثر جسامة من خطورة تهديدات الولايات المتحدة.
لكن هذه النقاط التي ذكرتها تتعارض مع استراتيجية “لا حرب ولا تفاوض”، على الأقل مع إدارة دونالد ترامب، وإلى جانب ذلك، ذكرت مسألة الحنكة السياسية أو الذكاء السياسي.
في الآونة الأخيرة، أصبحت قضية الحكمة السياسية مرادفة للخوف، لذلك، يبدو أنه في مجال الحقائق الدبلوماسية، لا توجد أرضية لإعادة التفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية من قبل جمهورية إيران الإسلامية، حتى لو فاز جو بايدن، ما رأيك؟
إن استراتيجية “لا حرب ولا تفاوض” هي بمنزلة الموت التدريجي للبلاد، ولا يمكن الاعتماد على استمراريتها في مجال العمل على المدى القصير. بالمناسبة، هذه هي الإستراتيجية التي أوصلت البلاد إلى ما نحن عليه اليوم. لذلك، فإن الجبر الذي تفرضه الظروف، والذي ذكرته سابقاً لا يسمح لهذه الاستراتيجية بالاستمرار في العمل، خاصة الآن بعد أن أصبحت هناك أرضية لاندلاع أعمال شغب واحتجاجات أكثر خطورة بكثير من التي وقعت خريف العام الماضي، والتي يمكن أن تلقي بظلالها على هذه الاستراتيجيات بشدة.
في ضوء هذه النقاط، في رأيي، إن هؤلاء السادة ليس لديهم فهم لوضع الشعب وواقع المجتمع الإيراني. ومن هنا نجد أن الأوضاع الحالية المعقدة والصعبة تجعل الفرق الجاد بين الذكاء أو الخوف أكثر وضوحاً. ولذلك، إذا كنت أعتقد أنه من أجل استخدام الذكاء السياسي والدبلوماسي، يجب أن نتحرك نحو اغتنام فرصة تسمى جو بايدن؛ فهذا الأمر قبل أن يكون في صالح الأمة الإيرانية، يصب في مصلحة نظام جمهورية إيران الإسلامية. لأنه بالتأكيد إذا تمكنا من وضع إعادة التفاوض مع الولايات المتحدة على جدول الأعمال وتم في الوقت نفسه رفع العقوبات والتحديات الاقتصادية والمعيشية في البلاد، وبعد ذلك، بالتأكيد سيتم استعادة جزء من ثقة الأمة المفقودة في النظام السياسي؛ وستتقلص الفجوة الحالية بين السلطات والشعب الإيراني إلى حد ما، وفي الوقت نفسه، ستنتهي بعض من الالتهابات والحساسيات الحالية في المجتمع فيما يتعلق باندلاع الاحتجاجات. ومن هنا يجب أن تؤخذ مسألة استخدام الذكاء السياسي على محمل الجد.
بالمناسبة، نظراً لتعدد هذه التحديات والمشكلات الناتجة عن سياسة الضغط الأقصى الأمريكية وعقوبات البيت الأبيض، نجد أن دونالد ترامب يصرح مراراً وتكراراً في حملاته الانتخابية أنه إذا فاز في الانتخابات مرة أخرى، فإن إيران ستضع المفاوضات مع الولايات المتحدة على جدول الأعمال وتتصل به (ترامب) هاتفياً؛ لأنه بسبب الجبر الذي تفرضة الظروف الراهنة على إيران، لا خيار أمام البلد سوى التفاوض. حتى أنني أعتقد أن منتقدي الحكومة والمعارضين الجادين للاتفاق النووي والمفاوضات مع الولايات المتحدة، سراً وداخل أوساطهم الحزبية، يقرون بأن إيران ليس لديها خيار سوى التفاوض مع الولايات المتحدة.
إنني لأعجب حقاً من القول باستمرار على الوقوف في وجه الولايات المتحدة، وعلى أرض الواقع، تدفع الطبقات الدنيا في المجتمع الثمن بمفردها. وتبعاً لهذه الحقائق، فإننا نشهد اختفاء الطبقة الوسطى في المجتمع الإيراني بطريقة لم يكن لها مثيل في أي فترة من تاريخ إيران. إن استمرار هذا الوضع وتفاقمه سيقلّل بالتأكيد من شعبية الحكومة، بل وحتى سيؤدي إلى التشكيك في شرعية جمهورية إيران الإسلامية من قبل الشعب الإيراني؛ إن النظام الذي يفتقر إلى الشرعية والشعبية فهو بالتأكيد مثل: بيت العنكبوت، وسيذهب أدراج الرياح.
المصدر : https://b2n.ir/157637