back to top
المزيد

    التحديات الداخلية في إقليم كردستان العراق للعام 2020

    فرهاد وفايي فرد: طالب دكتواره قسم العلاقات الدولية، معهد التبيين للدراسات الإستراتيجية.

    إن مسألة انخفاض العوائد النفطية ومعدل إنتاج النفط في إقليم كردستان، فضلاً عن المسائل العالقة مع بغداد والخلافات الداخلية، وضعت أربيل في مواجهة تحديات مهمة.

    في أعقاب فشل استفتاء الاستقلال الذي أجري عام 2017، تصاعدت تحديات إقليم كردستان العراق، حيث احتدمت خلال السنوات الأخيرة مشكلات أربيل مع بغداد، وعجز الإقليم عن التوصل إلى اتفاق بشأن القضايا الخلافية من بينها قضية النفط، والموازنة المستلمة من الحكومة المركزية. خلال الأشهر الأخيرة -في أعقاب هبوط أسعار النفط واتفاق أوبك+ القائم على خفض أكثر من مليون برميل من إنتاج النفط العراقي- أُضيفت مشكلة جديدة إلى الخلافات؛ تمثلت بحجم التخفيض الذي ينبغي أن تتحمله أربيل وبغداد معاً، فمن ناحية أظهرت تصريحات مستشار رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي أن الأخير الذي يعدُّ شخصية مقربة من الأكراد ليس لديه أي تأثير بما يتعلق بحل الخلافات بين الطرفين. وأظهرت الزيارة الأخيرة لنيجيرفان بارزاني إلى بغداد -ولاسيما البيان الصادر عن رئاسة الإقليم- أن الأكراد بحاجة إلى إبرام اتفاق مع بغداد أكثر من أي وقت مضى. ويضاف إلى ذلك، تصاعد وتيرة الهجمات التركية على قواعد حزب العمال الكردستاني (PPK) على أراضي الإقليم، والخلافات الداخلية الكردية المتصاعدة أيضاً.

    على أي حال يبدو أنه في ضوء الأزمات والمشكلات الحالية التي تخيم على العراق ومنطقة غرب آسيا، فإقليم كردستان ليس في ظروف مناسبة أيضاً. ويحاول المقال الحالي تحليل أهم التحديات، وقضايا منطقة كردستان العراق في ضوء التطورات الأخيرة.

    تتمثل إحدى المشكلات الرئيسة لإقليم كردستان العراق في الخلاف مع بغداد حول بيع النفط والعوائد المترتبة على ذلك. وعلى وفق موارنة العراق لعام 2019، فإن إقليم كردستان ينبغي أن يصدر يومياً 250 ألف برميل نفط خام عن طريق شركة “سومو” التابعة للحكومة المركزية، ويعمد إلى تسليم العوائد المتحصلة كافة من موارد الطاقة إلى بغداد؛ أي ما يعادل 8 مليارات و200 مليون دولار لقاء الحصول على 12% من ميزانية العراق العامة[1].

    لكن هذه الاتفاق لم يدخل حيز التنفيذ كثيراً؛ لأن معدل بيع النفط من جهة، وكيفية إنفاق العوائد المتحصلة من جهة أخرى، لا يتسم بالشفافية المطلوبة. وساد هذه التساؤل خلال السنوات الأخيرة بشأن كميات النفط التي يبيعها إقليم كردستان العراق، وكيفية إنفاق العوائد المترتبة على بيع النفط، وما عدد العمال، وفي الأصل هل المبلغ الذي يحصل عليه الإقليم من بغداد لدفع رواتب الموظفين، هل ينفق بحسب الاتفاق؟ حيث شكلت مسألة غياب الشفافية خلال السنوات الأخيرة نقطة خلاف بين المسؤولين في أربيل وبغداد، ووصل الأمر إلى حد قامت فيه حكومة عادل عبد المهدي بتقديم شكوى ضد أربيل إلى المحكمة الاتحادية العراقية بما يتعلق بملفات العوائد النفطية وبيع نفط الإقليم إلى الكيان الصهيوني.[2]

    تصاعدت خلافات أربيل وبغداد في ضوء انخفاض العوائد النفطية للطرفين؛ بعبارة أخرى: من البديهي أن تدفع قيود العوائد ومحدويتها الحكومة المركزية العراقية التي ترتبط بأكثر من 90% بالعوائد النفطية، إلى تشديد رقابتها أكثر على علاقاتها المالية مع أربيل. على سبيل المثال تظهر الإحصائيات أن عوائد العراق المتحصلة من صادرات النفط بلغت في شهر نيسان هذا العام 1.4 مليار دولار تقريباً. في حين باع العراق في شهر نيسان عام 2019 برميل النفط الواحد بقيمة 67.5 دولار، وفي ضوء تصدير 104 مليون برميل نفط، فقد بلغت العوائد أكثر من 7 مليارات دولار[3].

    في الطرف المقابل وطبقاً لتقرير صادر من قبل شركة «ديلويت[4]»، فقد باع إقليم كردستان عام 2019 160 مليون برميل نفط، وكسب جراء ذلك ما يناهز 4 مليارات و500 مليون دولار. ويظهر هذا التقرير أن أربيل خلال الأشهر الثلاثة الأخير من عام 2019، اختبرت أكبر انخفاض في العوائد النفطية حيث وصلت عوائد بيع النفط في هذه المنطقة إلى 701 مليون دولار. لكن في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2019 فاق هذا المبلغ المليار و600 مليون دولار[5]. وفي ضوء ذلك انخفض معدل عوائد إقليم كردستان العراق من بيع النفط منتصف عام 2019، وفي مطلع عام 2020 -بعد اتفاق أوبك + لتخفيض الإنتاج وإلزام أربيل بتخفيض 103 ألف برميل من إنتاجها وانتشار فيروس كورونا وانخفاض الطلب العالمي- فُرضت قيود على العوائد بنحو أكبر.

    العلاقات الجيدة التي تجمع رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي مع واشنطن من جهة، وعلاقاته من الأكراد من جهة أخرى، تزيد احتمال التوصل إلى حل الخلافات بين أربيل وبغداد، وتمثلت أول الإجراءات التي اتخذها رئيس الوزراء المنتخب بدفع مبلغ 400 مليار دينار إلى أربيل، وهذا الأمر يمكن تفسيره في هذا السياق. ومع ذلك بعد مدة أعلن “هشام داود” مستشار الكاظمي بصراحة أن دفع ميزانية الموظفين في إقليم كردستان منوط به تسلم العوائد الداخلية والنفطية في الإقليم. هذه التصريحات أظهرت أن تغيير الوسيط في بغداد لا يمكن أن يفضي إلى حل القضايا بين الجانبين. وكانت زيارة وفد إقليم كردستان إلى بغداد ولقاء المسؤولين العراقيين مؤشراً على استمرار الخلافات بين بغداد وأربيل، حيث يبدو أن هبوط أسعار النفط وتخفيض إنتاج النفط في العراق وفق اتفاق أوبك+ كان مؤثراً أيضاً في عدم توصل الجانبين إلى اتفاق. وينص الاتفاق على أن يعمد العراق إلى تخفيض إنتاجه شهرياً بمقدار مليون برميل نفط، لكن الأكراد يرغبون بخفض إنتاجهم النفطي بمقدار 103 آلاف برميل من 250 ألف برميل نفط التي ينبغي أن يسلموها إلى بغداد، وليس أن يشمل التخفيض حصتهم. بعبارة أخرى يعتقد الإقليم أن حصته من تخفيض الإنتاج ينبغي أن تُحسب من معدل النفط التي يسلمه إلى العراق.

    أظهرت التطورات الأخيرة أن الحكومة العراقية الجديدة لا تسعى فحسب إلى تجاهل مصالح بغداد في العلاقات مع أربيل بل فتحت ملفات جديدة من بينها قضية المعابر. وفي ضوء مشكلات الميزانية العراقية، حاولت الحكومة خلال الأسابيع الأخيرة فرض سلطتها على المعابر الحدودية العراقية مع دول الجوار حتى تتمكن من تقليص حجم التهريب وتحصل أيضاً على حصة الحكومة من العوائد الناجمة عن تبادل البضائع. وفق إعلان بعض وسائل الإعلام التابعة للحكومة المركزية العراقية، وخلال الزيارة الأخيرة التي قام بها وفد من إقليم كردستان إلى العراق، أعلنت أنها تريد الحصول على 50% من عوائد الواردات غير النفطية[6] حيث يحتمل ارتباط جزء مهم منها بالمعابر.

    تمكن إقليم كردستان العراق، طول السنوات التي أعقبت عام 2003، من خلال بيع النفط واستيراد البضائع اللازمة، أن يخلق مستوى أفضل من الرفاهية للأكراد مقارنة مع سكان الحكومة المركزية العراقية. فجزء هام من احتياجات الإقليم الاقتصادية يتم تأمينها عن طريق الاستيراد والاستثمار الخارجي. ووفقاً للإحصائيات فخلال المدة الفاصلة بين 2006 و2016، جذب الإقليم تقريباً 47 مليار دولار من رؤوس الأموال الخارجية[7].

    ومع ذلك فهناك عدة قضايا مثل الفساد المالي، وانعدام الشفافية وضع أربيل بسبب عدم الحصول على المبلغ الذي تحتاجه من بغداد، في مواجهة مشكلات متعددة. على سبيل المثال في الأسابيع الأخيرة خلال اجتماع لحكومة إقليم كردستان تمت الموافقة على تخفيض رواتب الموظفين بمقدار 21%، و50% من رواتب المسؤولين. وهذه القضية لم تبق دون تأثير في إقليم كردستان خلال الاحتجاجات الشعبية في الأسابيع الأخيرة التي جاءت احتجاجاً على المشكلات الاقتصادية. وخلال الشهرين الآخرين كان فشل طريقة حكم الأحزاب المسيطرة في الإقليم بادياً للعيان؛ على الرغم من أن العائد النفطي غطى جزءاً من هذا الفشل. لكن هبوط أسعار النفط، وانتشار فيروس كورونا، وتصاعد النزاعات الإقليمية، وانخفاض رغبة أمريكا في الاستثمار في منطقة غرب آسيا وكذلك المشكلات الاقتصادية لبعض دول أوربا الغربية، سيؤثر تأثيراً مباشراً على الاستثمارات الخارجية في إقليم كردستان، وهذه القضية بإمكانها أن تزيد مشكلات هذه المنطقة. فضلاً عن أن انتشار فيروس كورونا والانخفاض الحاد للعوائد المتحصلة من السياحة، يمكن أن يفرض قيود ومحدوديات على الإقليم بما يتعلق بقضية تأمين الميزانية الداخلية.

    فضلاً عن أن إقليم كردستان العراق لم يكن في منأى عن الأزمة الاقتصادية التي ظهرت خلال السنوات الأخيرة في غرب آسيا؛ فالإقليم يواجه مشكلات من قبيل الفساد والخلافات الداخلية أيضاً. بمعزل عن خلافات الحزبين الرئيسيين يعني “الحزب الديمقراطي الكردستاني”، و”الاتحاد الوطني الكردستاني”، فقد اتسع الشقاق في الحزب الديمقراطي الكردستاني باعتباره أقوى الأحزاب في الإقليم. لكن مع وفاة “جلال طالباني” زعيم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، أصبح دور وموقع الحزب الديمقراطي الكردستاني أشد وضوحاً في تطورات الإقليم وبطبيعة الحال أصبح أكثر قوة، وهذا سيجعل التوزيع أمراً أكثر صعوبة. انطلاقاً من هذا الأمر تصاعدت حدة الخلافات بين الشبان البارزانيين يعني مسعود ومسرور، حيث ظهرت هذه الخلافات بدءاً من الأيام الأولى وخلال تعيينات رئيس الوزراء الجديد ومن ثم في ملفات بيع النفط ولاحقاً ظهرت في بعض التصريحات. لقد تحدث مسرور البارزاني في أحد تصريحاته أن ديون أربيل البالغة 27 مليار دولار كانت بسبب النظام المالي المتبع من قبل الحكومات السابقة، حيث قوبل هذا التصريح بردود أفعال حادة من قبل مناصري نجيرفان بارزاني رئيس إقليم كردستان العراق ورئيس الوزراء السابق.

    وكتب أحد الصحفيين المشهورين المقربين من الحزب الديمقراطي الكردستاني رداً على كلام مسرور بارزاني، قائلاً: ليست القضية قضية رواتب وأموال فحسب فمجلس الوزراء في الحكومة التاسعة للإقليم كان قد وصل إلى حد الإفلاس، والناس كانوا يحتجون في الشوارع (لا يتم اعتقالهم)، عطل المعلمون الدروس، ومع ذلك في تلك البرهة كان هناك بارقة أمل، لكن الآن لم يتبق أمل ولا مال.”

    طبعاً كان يواجه الإقليم فضلاً عن هذه التحديات قضايا مثل الهجمات التركية بين الحين والآخر على مناطق شمال العراق. لكن تعاون مسؤولي الإقليم مع أنقرة بهدف إضعاف حزب العمال الكردستاني، على الرغم من أنه على المدى القصير يؤدي إلى تعزيز قوة الحزب الديقراطي الكردستاني، لكن على المدى البعيد بإمكانه أن يضاعف نفوذ وتأثير تركيا في تطورات الإقليم، وتحرض طمع أردوغان في جغرافيا تركيا الكبرى المزعومة. يسعى الحزب الديمقراطي الكردستاني طبعاً بعلم تركيا المحتمل إلى لعب دور في توحيد أكراد سورية، ويسعى من خلال تقديم الدعم للمجلس الوطني الكردي في سورية (KNC)، لتهميش حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني( (PYD. وهذا الأمر من الصعب تحقيقه في ضوء نفوذ حزب (PYD) بين الأكراد في سوريا.

    النتيجة

    إن انخفاض العوائد النفطية، وانتشار فيروس كورونا، وانخفاض العوائد المتحصلة من السياحة من جهة، واستمرار الخلافات بين أربيل وبغداد، يشكل جزءاً من أهم القضايا والتحديات الماثلة أمام إقليم كردستان العراق. وفضلاً عن ذلك، فالخلافات الداخلية بين الأحزاب الكردية ولاسيما داخل الحزب الديمقراطي الكردستاني وبين مسرور ونيجيرفان بارزاني خلق ظروفاً مختلفة في هذه المنطقة. ومن جهة أخرى على الرغم من أن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي أحيا آمالاً لحل الخلافات بين أربيل وبغداد، لكن زيارة وفد الإقليم إلى بغداد -التي لم تكن موفقة إلى حد ما- وكذلك طرح مطالب الحكومة المركزية بشأن العوائد الحدودية ومسألة المعابر، حوّل هذا الآمال إلى حد ما إلى يأس وقنوط. ويبدو أن مسؤولي الإقليم سيواجهون أياماً عصيبة في مساعيهم لتقليص السخط الداخلي وتهدئته.

    المصدر:

      http://tabyincenter.ir/38349


    المصادر:

    1  – وكالة كرد برس للأنباء، “هل من أمل في إنهاء الخلافات بين أربيل وبغداد؟” ، 28 آب یولیو 2017 ،www.kurdpress.com/details.aspx?id=80369

    2- ميدل إيست نيوز، “جهود مكثفة لبدء العمل على ملف قضية بيع النفط من قبل إقليم كردستان لإسرائيل”، 22 يوليو 2020 https://mdeast.news/

    -3 https://oil.gov.iq/index.php?name=Pages&op=page&pid=77

    -4 Deloitte

    -5 Deloitte, “Deloitte report on Oil and Gas review in the Iraqi Kurdistan Region, with newly added disclosures on prepayment balances – 2019”, 31 December 2019 : https://gov.krd/english/information-and-services/open-data/deloitte-reports/deloitte-report-2019/

    6-  اسبوتنیك، «ما حقیقة فشل الحوار بین الحکومة العراقیة وإقلیم کردستان؟»، 5 يوليو 2020https://arabic.sputniknews.com

    7- Sabah Noori Abbas Al-Mihya, “The Economic Crisis in Kurdistan Region and its Impact on Foreign Investment”, International Journal of Economics & Management Sciences(2017), https://www.hilarispublisher.com/open-access/the-economic-crisis-in-kurdistan-region-and-its-impact-on-foreign-investment-2162-6359-1000453.pdf