فرانشيسكو ساليسيو شيافي: باحث في المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية.
التقى رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في 20 آب الماضي بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب في واشنطن بالجولة الثانية من الحوارات الاستراتيجية التي حاول خلالها الزعيمان مناقشة مستقبل البلدين الاقتصادي، والعلاقات السياسية والأمنية. وتماشياً مع هدف الاجتماع الأول الذي عقد في بغداد في شهر حزيران الماضي، كان الهدف النهائي هو تعزيز الاستقرار في العلاقة بين واشنطن وبغداد، وتعزيز العلاقات بين البلدين على أساس المصالح المشتركة في العراق والمنطقة.
وتأتي زيارة رئيس الوزراء العراقي كنتيجة مباشرة للتنافس المستمر على النفوذ في العراق بين الولايات المتحدة وإيران. وقبل شهر، سافر رئيس الوزراء العراقي إلى إيران[1] والتقى بالمرشد الأعلى علي خامنئي، والرئيس الإيراني حسن روحاني. وخلال رحلته الأولى إلى الخارج منذ أن أصبح رئيساً للوزراء ناقش الكاظمي القضايا والإشكالات بين طهران وبغداد: كأنشطة بعض الجماعات المسلحة المدعومة من إيران في العراق، وإغلاق الحدود، وزيادة نفوذ إيران في السياسة العراقية.
لقد جرت هذه المحادثات الثنائية مع زيادة الضغط السياسي على رئيس الوزراء العراقي في الداخل، ويرجع ذلك أساساً إلى الوضع الاقتصادي المتردي في العراق، وجائحة كورونا، والمعارضة الشعبية المتزايدة. وبحسب الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق ورئيسة بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) جينين هينيس بلاسخارت[2]، فإن الفقر في العراق ارتفع في الوقت الحاضر “بنسبة تزيد عن 10%، ويعيش ثلث العراقيين الآن تحت خط الفقر، ويعاني 2 من كل 5 من الحرمان في الحصول على الخدمات الاجتماعية الأساسية.
ليس من المستغرب أن تتمحور النقاشات في واشنطن عن الدور المستقبلي للولايات المتحدة ووجود القوات الأمريكية في البلاد. في الآونة الأخيرة، كان للتوترات بين الولايات المتحدة وإيران تداعيات عميقة على العراق. فمنذ مقتل قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس في مطار بغداد الدولي تدهورت العلاقات العراقية مع الأمريكيين بنحو متزايد؛ وكانت النتيجة تنامي المشاعر المعادية للولايات المتحدة بين السكان العراقيين وزيادة الهجمات المتبادلة بين الميليشيات المدعومة من إيران والقوات الأمريكية[3].
أرسلت الولايات المتحدة 5200 عنصر في العراق بهدف تدريب قوات مكافحة الإرهاب العراقية ومساعدتها في محاربة فلول تنظيم داعش. وفي واشنطن، أعرب الزعيمان عن رغبتهما في خفض عدد القوات[4]، دون تقديم مزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع. وفي السياق الانتخابي الحالي، أشار الرئيس ترامب مراراً وتكراراً إلى رغبته في الوفاء بوعده بسحب جميع القوات الأمريكية من “الحروب التي لا نهاية لها” في العراق وسوريا. وهذا النهج يؤكد الأهمية المتناقصة لوجود القوات الأمريكية في هذه الدول في الخطة المقبلة للتدخل الأمريكي في الشرق الأوسط، وكذلك في حملة “الضغط الأقصى” للحد من النفوذ الإيراني في المنطقة.
وبالمثل، لا يمكن للكاظمي أن يتجاهل مطالب العراقيين بسحب جميع القوات الأمريكية من البلاد (الذي أصدره مجلس النواب العراقي رسمياً في كانون الثاني، على الرغم من عدم وجود إجماع وطني عن هذا الموضوع). وشدد رئيس الوزراء العراقي على ضرورة الحيلولة دون تحول البلاد إلى ساحة معركة جديدة بين الولايات المتحدة وإيران، ووضع احترام سيادة العراق وسلامته الإقليمية في صميم أجندته. وأفاد الوفد العراقي بأن بغداد ستشرع في مرحلة جديدة من التعاون مع واشنطن في إطار القتال ضد تنظيم داعش، وطلب المساعدة من الأمريكيين، ولكن مع تقليص الوجود العسكري؛ مما يعكس “الطبيعة المتغيرة لخطر الإرهاب” في المنطقة[5]. في هذا الإطار، سيتم تشكيل فريق لمناقشة الآليات والجداول الزمنية لإعادة توزيع قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة خارج العراق.
يشمل هذا البند جزئياً ما يخص البنتاغون، الذي ما يزال يعتمد على الاحتفاظ بقوة أصغر (لكن دائمة) على الأرض في العراق، لكل من عمليات مكافحة الإرهاب ضد داعش وردع النفوذ الإيراني في المنطقة. وفي أعقاب الاجتماع في واشنطن، أكد المسؤولون الأمريكيون أيضاً أن أعداد القوات الأمريكية في العراق ستنخفض[6] إلى حوالي 3500 بحلول نهاية تشرين الثاني. في غضون ذلك، قام التحالف بقيادة الولايات المتحدة بتسليم معسكر التاجي رسمياً إلى قوات الأمن العراقية[7]، بعد أن غادرت القوات الأمريكية المتمركزة هناك القاعدة في 23 آب الماضي.
في واشنطن، كشفت وزارة الطاقة الأمريكية[8] عن أن خمس شركات أمريكية (هانيويل إنترناشيونال، وبيكر هيوز، وجنرال إلكتريك، وستيلر إنرجي، وشيفرون)[9] قد وقعت “اتفاقيات كبيرة” في قطاع الطاقة مع الحكومة العراقية بقيمة 8 مليارات دولار أمريكي (يبدو أن الأكثر أهمية هو ذلك الذي تم توقيعه مع العملاق في سوق الطاقة، جنرال إلكتريك، مع عقدين بقيمة 1.2 مليار دولار أمريكي)[10]. وأعلنت وزارة الخارجية أنه سيتم تخصيص 204 مليون دولار أمريكي[11] كمساعدات إضافية لدعم جهود إعادة الإعمار في البلاد، ولمساعدة العراق في إجراء انتخابات “حرة ونزيهة” في أوائل عام 2021، ولمساعدة السكان العراقيين النازحين في المنطقة. ما هو واضح هو أن إدارة ترامب تحاول تفسير تحولها السياسي، وتصويره ليس على أنها فك ارتباط عن العراق، بل على أنها انتقال إلى شراكة اقتصادية وأمنية جديدة طويلة الأمد مع بغداد.
وعبر تطوير البنى التحتية العراقية ومصافي النفط والغاز، وكذلك إنشاء شركة طاقة جديدة في محافظة ذي قار، فإن الهدف النهائي لهذه الشراكات الجديدة هو تعزيز استقلال الطاقة في بغداد عن طهران. يستورد العراق اليوم من إيران ما بين 1200 إلى 1500 ميغاواط من الكهرباء وما يعادل 3300 ميغاواط من الغاز (استثناء من نظام العقوبات الاقتصادية التي فرضتها واشنطن على الجمهورية الإسلامية في محاولة لدعم اقتصاد الطاقة العراقي الهش). على الرغم من قيام حكومة بغداد بالشروع في مشاريع كبرى جديدة لتحسين إنتاجها من الغاز الطبيعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي[12]، إلا أنها لم تتمكن من العثور على بدائل على المدى القصير. وبدلاً من ذلك، من المرجح أن تمدد الولايات المتحدة إعفاء العراق على الواردات الإيرانية، المقرر أن ينتهي في أواخر أيلول، يمكن بذل جهود متوسطة المدى لتعزيز العلاقات الاقتصادية للعراق مع الحلفاء والشركاء الرئيسين في المنطقة. وفي هذا الصدد، يهدف العراق إلى تفعيل علاقاته في جميع الاتجاهات مع واشنطن وإيران والدول العربية. وأعرب رئيس الوزراء العراقي خلال زيارة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان لبغداد[13] عن رغبته في ربط شبكة الكهرباء وتنسيق الجهود الأمنية في مواجهة التحديات المشتركة. وبالمثل، التقى الكاظمي في 25 آب بالملك عبد الله الثاني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في الأردن لمناقشة التعاون الاقتصادي والجهود الأمنية المشتركة.
ومن خلال تجنب المواجهات والتأكيد على علاقات بغداد الاستراتيجية، يظهر الكاظمي عزم العراق على تحقيق التوازن بين المصالح الوطنية والتعاون الدولي. العراق اليوم بصدد صياغة أولوياته الإستراتيجية في المنطقة والعالم، وهذه مهمة صعبة بنحو خاص في ظل بيئة إقليمية شديدة التقلب وسريعة التطور.
المصدر:
https://www.ispionline.it/en/pubblicazione/us-iraq-relations-after-washington-talks-27276
[1]– https://english.khamenei.ir/photo/7784/Imam-Khamenei-met-with-Iraqi-Prime-Minister
[2]– https://www.youtube.com/watch?v=YiwB7Yw6mW4&feature=youtu.be
[3] –https://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/how-attacks-on-us-forces-in-iraq-became-a-new-normal/
[4] –https://www.washingtonpost.com/world/national-security/pompeo-pledges-support-for-iraq-targets-pro-iran-militias/2020/08/20/fc9443fc-e2a0-11ea-82d8-5e55d47e90ca_story.html
[5] –https://www.militarytimes.com/news/your-military/2020/08/17/iraqi-leader-says-country-still-needs-us-help-to-counter-isis-threat/
[6] –https://www.washingtonpost.com/world/national-security/us-plans-further-troop-reductions-in-iraq-by-november/2020/08/28/b7fff164-e94e-11ea-bf44-0d31c85838a5_story.html
[7]–http://www.understandingwar.org/backgrounder/iraq-situation-report-august-19-25-2020%C3%B9
[8]–https://www.energy.gov/articles/secretary-brouillette-participates-official-visit-iraqi-delegation
[9]–https://www.bloomberg.com/news/articles/2020-08-17/iraq-said-to-sign-memorandum-with-chevron-to-explore-for-oil?sref=SamVlrGx
[10]–https://www.reuters.com/article/us-ge-iraq/ge-signs-power-agreements-worth-over-12-billion-with-iraq-idUSKCN25F2SM
[11]–https://www.state.gov/secretary-michael-r-pompeo-and-iraqi-foreign-minister-fuad-hussein-at-a-press-availability/