أنتونينو أوكيوتو، محلل مختص بدول الخليج.
للوهلة الأولى، يبدو أن إدارة العلاقات مع جيران العراق وتطويرها ليست سوى واحدة من التحديات المتعددة التي يواجهها مصطفى الكاظمي. وبينما يكافح العراق بفعل الاضطرابات الاقتصادية، والانقسامات السياسية، والتهديد الإرهابي المتجدد الذي يشكله تنظيم داعش، يبدو أن علاقة الكويت، والمملكة العربية السعودية مع العراق تزداد أهمية.
الكويت
من بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي، ما تزال الكويت هي الأكثر قلقاً بشأن الوضع الأمني المتقلب في العراق، وتحرص على تجنب تداعيات انعدام الأمن ووصوله إلى الكويت. على وجه الخصوص، تخشى الحكومة الكويتية من أن المؤسسات الهشة في بغداد غير قادرة على تخفيف التوترات الطائفية بين السنة والشيعة في العراق مع تزايد الاضطرابات الاقتصادية. ساعدت الطائفية في تصعيد العنف الذي ساعد هو الآخر على صعود داعش في المنطقة. ويبدو أن الكويت قلقة بشكل خاص من جهود الجماعة الإرهابية للظهور مرة أخرى[1]. وكان تنظيم داعش قد استهدف بالفعل الشيعة في الكويت في الماضي وحوّل العديد من الشباب السنّة في البلاد إلى متطرفين. وتتمثل استراتيجية الجماعة الإرهابية في استقطاب المجتمع الكويتي على أسس طائفية، وأدى الخوف من الهجمات والفوضى الطائفية التي أثارها تنظيم داعش إلى تفسير قرار الكويت باستضافة القوات التي تقودها الولايات المتحدة ودعمها والتي تقاتل الجماعة في العراق وسوريا.
إلى جانب البعد العسكري للتهديد، أبدت الكويت اهتمامها بالاستثمار في استقرار جارتها الشمالية. إن اقتصاد الكويت المرن وقربها الجغرافي من العراق يجعلان البلاد مرشحاً مثالياً لتنسيق الدعم لبغداد. في الواقع، في عام 2018، نظّمت الكويت واستضافت مؤتمراً دولياً[2] لجمع الأموال لإعادة بناء اقتصاد العراق والبنية التحتية في أعقاب الصراع المدمر ضد داعش. ومكنت القيادة الكويتية من تأمين ما يقرب من 30 مليار دولار في شكل تسهيلات ائتمانية واستثمارات لدعم العراق. وفي محاولة أخرى لدعم العراق اقتصادياً، أدت الكويت دوراً حاسماً في التفاوض على صفقة أيلول عام 2019[3] بين بغداد وهيئة الربط الكهربائي لدول مجلس التعاون الخليجي لإنشاء خط نقل كهربائي من دول مجلس التعاون الخليجي من شأنه أن يوفر 500 ميجاوات من الكهرباء في الساعة من دول مجلس التعاون الخليجي إلى ميناء الفاو.
ومن المهم أن نأخذ في الحسبان أن الانهيار العالمي الأخير لأسعار النفط، الناجم عن تفشي وباء كورونا، أدى إلى توتر العلاقات العراقية الكويتية. في أيار الماضي، ورد أن الكويت تعرضت للابتزاز من قبل العراق[4]؛ من أجل الحصول على مساعدات مالية واستثمارات لتعويض الانخفاض الحاد في عائدات بغداد النفطية. ومع ذلك، تمكنت الكويت من الحفاظ على علاقات ودية مع جميع الأحزاب السياسية في بغداد؛ ومما يسهل ذلك حقيقة أن معظم الفصائل داخل العراق تعترف بالمصلحة المشروعة للحكومة الكويتية في استقرار العراق. وتم التأكيد على اهتمام الكويت بالحفاظ على الاستقرار في جميع أنحاء العراق في آب من هذا العام عندما اتصل وزير الخارجية الكويتي، أحمد ناصر المحمد الصباح، بنظيره العراقي، فؤاد حسين، لإدانة الضربة التركية بطائرة بدون طيار التي أدت إلى مقتل ثلاثة جنود عراقيين شمال أربيل[5]. والجدير بالذكر أن إدانة الكويت الشديدة جاءت على الرغم من جهود أنقرة والكويت الأخيرة لتحسين العلاقات الثنائية[6].
المملكة العربية السعودية
يجب أن تُفهم جهود الرياض لإقامة علاقات أوثق مع بغداد ضمن الإستراتيجية الأوسع للمملكة العربية السعودية لاحتواء النفوذ الإقليمي لإيران. لطالما كان العراق نقطة محورية في المنافسة الجيوسياسية بين إيران والولايات المتحدة وحلفائها، بنحو رئيس المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة. من وجهة نظر المملكة العربية السعودية[7]، أن الأسباب الرئيسة لضعف بغداد أمام نفوذ طهران، هو ضعف قطاع الأمن والاقتصاد وصناعة الطاقة في العراق.
شكل قرار المملكة العربية السعودية بإعادة فتح حدودها مع العراق في عام 2017، التي أُغلقت منذ عام 1990، أول حدث تأريخي في التواصل الدبلوماسي للرياض مع بغداد. تبع ذلك إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في عام 2019. ومنذ ذلك الحين، التزمت الرياض بالقيام باستثمارات جديدة في الاقتصاد العراقي، مع فتح قنوات تجارية وتبادل الزيارات الرسمية. ويتطلع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان آل سعود، أيضاً إلى تعزيز المصالح المؤسسية لدول مجلس التعاون الخليجي في البلاد. على سبيل المثال: كانت المملكة العربية السعودية هي رأس الحربة في اتفاقية الربط الشبكي بين العراق ودول مجلس التعاون الخليجي المذكورة أعلاه وحشد دعم الكويت للقيام بالصفقة.
وبشكل أعم، فإن التعاون في مجال الطاقة بين المملكة العربية السعودية والعراق يسهله حقيقة أن قيادة بغداد تنظر إلى تنويع مصادر الطاقة في العراق باعتباره أمراً ضرورياً لتعزيز سيادة البلاد. يجب ذكر أن أجزاء كبيرة من العراق اعتمدت لعدة سنوات على إمدادات الكهرباء من إيران؛ مما أعطى طهران نفوذاً كبيراً على بغداد. ويحرص محمد بن سلمان على إضعاف رابطة الطاقة الإيرانية العراقية، فمنذ استعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، ناقش مسؤولون عراقيون وسعوديون رفيعو المستوى قضايا الطاقة على نطاق واسع. وبالنظر إلى المستقبل، تخطط المملكة العربية السعودية[8] أيضاً لتوسيع دورها في صناعة الطاقة في العراق عبر خلال شركة أكوا باور الحكومية. ويبدو أيضاً أن الرياض مهتمة[9] بتطوير الطرق العابرة للحدود والبتروكيماويات والزراعة والبنية التحتية للعراق.
وتحاول المملكة العربية السعودية أيضاً تحسين مكانتها بين عامة العراقيين مع التركيز بنحو خاص على السكان الشيعة في البلاد. يُظهر اجتماع تموز عام 2017[10] في جدة بين محمد بن سلمان والزعيم الشيعي ورجل الدين مقتدى الصدر مثل هذه الجهود إلى جانب نية إقامة حوار قوي مع الجبهة المعادية لإيران داخل العراق.
وتحقق نجاح آخر في تحسين المكانة الاجتماعية للمملكة العربية السعودية في العراق في آذار عام 2018، عندما سافر المنتخب السعودي الوطني لكرة القدم إلى البصرة لخوض مباراة ودية مع المنتخب العراقي المحلي[11]. وبعد المباراة، وعد العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز بالتبرع بملعب كرة قدم جديد للشعب العراقي ليتم بناؤه في بغداد.
حتى الآن، أدى اهتمام الكويت باستقرار جارتها الشمالية وجهود المملكة العربية السعودية للحد من نفوذ إيران في بغداد إلى تحقيق مكاسب إيجابية للعراق، ودعم اقتصاد البلاد المتعثر بنحو خاص. وللاستمرار في الاستفادة من مشاركة المملكة العربية السعودية على المدى الطويل، سيكون من المهم للقيادة العراقية تجنب تنفير إيران، إذ تستمر طهران في الاحتفاظ بمصالح مهمة داخل العراق ويمكنها الانتقام عسكرياً واقتصادياً في حالة تهديد مصالحها. ومن المرجح أن يستمر التعاون الاقتصادي بين العراق والكويت ويزداد في الأشهر المقبلة. وأدت الاضطرابات المستمرة في سوق النفط الدولية إلى توتر العلاقات بين بغداد والكويت، وكلما طالت أمد انخفاض أسعار النفط الخام، زادت احتمالية حدوث مشكلات تهدد العلاقات الثنائية المستقبلية بين البلدين.
المصدر:
https://www.ispionline.it/en/pubblicazione/what-can-iraq-gain-kuwait-and-saudi-arabia-27259
[1] –https://www.fairobserver.com/region/middle_east_north_africa/antonino-occhiuto-iraq-news-islamic-state-daesh-iran-us-army-iraqi-arab-world-news-28914/
[2] –https://www.reuters.com/article/us-mideast-crisis-iraq-reconstruction-ku/allies-promise-iraq-30-billion-falling-short-of-baghdads-appeal-idUSKCN1FY0TX
[3] –https://www.thenational.ae/business/energy/iraq-signs-deal-with-gcc-to-plug-into-gulf-power-grid-in-a-first-1.910668
[4] –https://www.middleeasteye.net/news/arabic-press-review-cash-strapped-iraq-blackmailed-kuwait
[5] –https://www.aljazeera.com/news/2020/08/iraq-army-turkish-drone-killed-high-ranking-commanders-200811161002727.html
[6] –https://gulfif.org/turkey-and-the-gcc-states-between-a-foe-and-an-ally/
[9] –https://www.crisisgroup.org/
[10] –https://www.reuters.com/
[11] –https://www.dailymail.co.uk/