زينب مهدي: مساعدة باحث عملت جنباً إلى جنب مع الدكتور مايكل ماسون في مشروع إدارة المياه في البصرة لمدة عام في مركز الشرق الأوسط.
مضى عامان على حادثة أزمة المياه في البصرة وما ترتب عليها من حالات تسمم. وفي تقرير لـهيومن رايتس ووتش في عام 2019 بعنوان: “البصرة عطشانة .. فشل العراق في إدارة أزمة المياه”[1]، تنبّأت المنظمة بعواقب وخيمة في حال لم تعمل الحكومتان المحلية والاتحادية معاً لمعالجة الأزمة، وشملت هذه التوقعات تفشي الأمراض المنقولة بالمياه والصعوبات الاقتصادية الكبرى التي أصبحت حقيقة في جنوب العراق اليوم.
في تموز عام 2019، اعترفت المنظمة الدولية للهجرة في العراق بوجود 21.314[2] نازحاً داخلياً من المحافظات الجنوبية والوسطى؛ بسبب محدودية إمدادات المياه المرتبطة بارتفاع نسبة الملوحة و/ أو تفشي الأمراض المنقولة بالمياه في المناطق الحضرية والريفية.
وفيما يتعلق بالصعوبات الاقتصادية في عام 2020، اكتشف الباحثون[3] أن الناس أُجبروا على مغادرة منازلهم؛ لأن قلة إمدادات المياه صعّبت من قدرة العائلات على إعالة أنفسهم مالياً عبر الزراعة.
وعلى الرغم من إعلان وزارة الإعمار والإسكان والبلديات والأشغال العامة في شهر نيسان عام 2019 عن خطط لبناء محطة لتحلية مياه البحر جنوب البصرة، حصل تأخير في الحصول على قرض بريطاني بقيمة 10 مليارات جنيه إسترليني[4] للمضي قدماً في أعمال البناء. ومن المقرر أن تكون محطة تحلية مياه البحر أكبر من محطة الطويلة لتحلية المياه في أبوظبي، التي هي قيد التطوير بسعة 900 ألف متر مكعب/ يوم[5]، ولها أهمية جيواستراتيجية في جنوب العراق. يُنظر إلى هذه الخطط على أنها ضرورية لحماية المتطلبات المائية إذا قامت الدول المجاورة للعراق (تركيا، وإيران، وسوريا) باستنزاف المياه من نهري دجلة والفرات، متجاهلة بذلك احتياجات العراق المائية.
وإلى أن يكتمل هذا المشروع، ستظل أزمة المياه في الجنوب شديدة الخطورة، ولاسيما إذا أخذنا في الحسبان النقص الحالي والمستمر في المياه الناجم بنحو أساس عن إنشاء السدود ومحطات الطاقة الكهرومائية في تركيا على نهري دجلة والفرات[6].
وإذا لم يُتّفق على نوع من التسوية بين تركيا والعراق بشأن حصص المياه لكل منهما، تقدر وزارة الموارد المائية العراقية أن العراق سيواجه نقصاً في المياه يبلغ 10.5 مليار متر مكعب بحلول عام 2035[7]؛ نتيجة لأعمال البناء والتشييد في تركيا وتغيّر المناخ.
ومع ذلك، تتجاهل تركيا حتى الآن البروتوكولات والمعاهدات[8] الموقعة مع العراق بشأن نهري دجلة والفرات، ولا يمتلك العراق سوى القليل من عملة التفاوض، إذ لا يمكنه استخدام الضغط التجاري؛ لأنه يعتمد بنحو كبير على السلع المستوردة -من تركيا أساساً- وليس من السهل الحصول على هذه البضائع من الدول الأخرى.
وفي محاولة لمعالجة نقص المياه وتحسين جودتها في البصرة، أعلن وزير الموارد المائية العراقي مهدي رشيد الحمداني في تموز قراراً بتحويل قناة البدعة المفتوحة بطول 240 كيلومتراً[9]، المصدر الأساس للمياه العذبة لمدينة البصرة منذ عام 1996، إلى أنبوبية مغلقة. ومن خلال تحويل القناة، سيتم توفير المياه؛ بسبب تقليل فرص الاستخراج غير القانونية والتبخر، في حين سيتم تحسين جودة المياه؛ بسبب تقليل النفايات في القناة. وقد يعني هذا التحويل أيضاً أن سكان الجنوب يمكنهم الاعتماد بنحو أقل على المراشنة، وهو نظام[10] يُطلب فيه من المواطنين من حين لآخر تقنين استهلاك مياه الشرب واستخدام الخزانات لتخزين المياه.
إلى جانب هذه العوامل، من المفترض أن يساعد تحويل القناة أيضاً في منع تراكم النباتات المائية[11]، مثل نبات هورنورت، المعروف علمياً باسم: Ceratophyllum demersum، أو الشمبلان باللغة العربية.
ينتشر الشمبلان في العراق، وظهرت هذه النبتة لأول مرة كمشكلة خطيرة تؤثر على معظم الجداول والقنوات في حوض الفرات في نهاية الثمانينيات، بعد إنشاء وتشغيل سد حديثة، ثاني أكبر مورد للطاقة الكهرومائية في العراق بعد سد الموصل. وفي أعقاب الكارثة البيئية[12] التي حدثت بعد قرار صدام حسين بتجفيف أهوار بلاد ما بين النهرين، كرد على انتفاضات عام 1991 ضد نظامه البعثي، انتهت مشكلة هذه النباتات. لكن بعد سقوط نظام صدام حسين في عام 2003، غمرت الأهوار بالمياه مرة أخرى[13]؛ مما أدى إلى عودة نمو نبات الشمبلان، الذي انتشر بعد ذلك في مناطق مختلفة من العراق. وأثر التراكم الضخم للشمبلان في مياه العراق سلباً على الفعالية التشغيلية لمحطات ضخ المياه[14]؛ مما زاد من نقص المياه في جميع أنحاء العراق، وخاصة في الجنوب. على مر السنوات، كان الشمبلان:
- يتجمع حول شافطات المضخات؛ مما يؤدي إلى انسداد وتقييد تدفق المياه. وقبل سد المضخات بالكامل، يمكن للنبتة أن تسد المصافي أو المرشحات في مداخل المضخة.
- يطفو بكثافة على المياه السطحية؛ مما يتسبب في انقطاع الإمداد من طريق إعاقة مجاري المياه، ومداخل المضخات.
- يعرقل تدفق المياه ولاسيما في قنوات الأنهار والجداول الصغيرة، ويمكن أن يمنع هذا الانسداد المياه من الوصول إلى الأنهار الصغيرة المتفرعة.
هناك شروط معينة مطلوبة لنمو النبات بسرعة، ويشمل ذلك وجود النبات في المياه الراكدة والصافية للبحيرات، والبرك، والمسيرات، والجداول ذات المستويات الغذائية المتوسطة إلى العالية. وأظهرت تجربتان أجريتا في عامي 2004[15]، و2006[16] في جامعة الكوفة أن درجات الحرارة المرتفعة وانخفاض مستويات الملوحة في مياه العراق قد يساعد أيضاً في تكثيف نمو النبات.
على هذا النحو، كانت النبتة قادرةً على التكاثر في أحواض المياه لمحطات معالجة المياه. ومثال على محطة معالجة المياه المتأثرة بوجود النبتة هي محطة آر-زيرو (R-Zero)، الواقعة جنوب مطار البصرة الدولي، وتساعد نتائج الدراستين أيضاً في فهم سبب الاستفادة من تحويل قناة البدعة إلى أنبوبية مغلقة، إذ سيقلل هذا من تعرض المحطة لدرجات الحرارة التي تشجع نمو نبات الشمبلان.
على الرغم من هذا التقدم المحدود في مكافحة تلوث المياه وتزايد الأمراض المنقولة بالمياه منذ عام 2018، فمن الإنصاف القول إن الحكومة العراقية الحالية، من طريق وزارة الموارد المائية، تعمل على معالجة بعض أسباب نقص المياه، مثل نمو النباتات المائية وانتشارها. ومع ذلك، يجب على وزارة الموارد المائية أيضاً زيادة الضغط على تركيا للإفراج عن حصة عادلة من المياه العابرة للحدود.
قد تكون المفاوضات السياسية هي السبيل الوحيد للعراق لتسوية نزاع المياه مع تركيا، وإلا فقد تكون هناك حرب مياه محتملة لا يستطيع العراق تحملها، ولاسيما بعد أن شهد عدة سنوات من الصراع.
المصدر:
[1] –https://www.hrw.org/sites/default/files/report_pdf/iraq0719_web.pdf
[3]–https://www.theguardian.com/global-development/gallery/2020/mar/19/we-have-no-options-how-water-scarcity-is-changing-south-iraq
[4] –http://webcache.googleusercontent.com
[6] –https://apnews.com/9542368977c9ee0ae97fd2cc88933198
[7] –https://apnews.com/9542368977c9ee0ae97fd2cc88933198
[8] –https://www.al-monitor.com/
[10] –https://www.almirbad.com/
[12]–https://www.researchgate.net/
[13]–https://www.researchgate.net/
[14]–http://webcache.googleusercontent.com/