back to top
المزيد

    الصراع الخليجي-الإيراني بعد التطبيع الإماراتي

    READ IN:ENGLISH

    محمد كريم الخاقاني: أكاديمي وباحث في الشأن السياسي.

    مروان محمد الطيارة: باحث في الشأن السياسي.

    لسنوات طوال كانت إسرائيل هي العدو الأول للدول العربية عموماً والدول الخليجية خصوصاً، وشهدت فترات الصراع العربي-الإسرائيلي مشاركة الدول الخليجية بوصفها الأطراف التي تزود التمويل المالي والعسكري للدول العربية الأخرى. لكن مع حدوث تغييرات جيوسياسية في المنطقة بدا أن التغيير المطّرد في العلاقات سوف يكون السمة البارزة بين دول الخليج العربي وإسرائيل، يضاف لها فتح طريق التطبيع مع إسرائيل، وابتدأ مع مصر عام 1979، ثم منظمة التحرير، واتفاق أوسلو عام 1993، وكذلك الأردن في اتفاق السلام بوادي عربة 1994، وزيادة العلاقات منذ ذلك الوقت مع دول الخليج العربي، حيث كانت هناك علاقات وتجارة بينهم لدرجة أن الصادرات الإسرائيلية لدول الخليج تجاوزت مليار دولار. (1)

    وخلال المدة التي تلت دخول العراق إلى الكويت، كانت دول الخليج إلى حد ما بعيدة عن إقامة علاقات علنية مع الجانب الإسرائيلي، لكن مع زيادة التوتر بين دول الخليج العربي وإيران، وعدم ثقة الدول الخليجية بالولايات المتحدة في نواياها تجاهها، وكذلك الاتفاق النووي معها -إذ لم تكن ممثلة فيه- وجدت الدول الخليجية في إسرائيل حليفاً قوياً يمكن التشارك معه في مسألة التهديدات الإيرانية.

    وبعد العام 2011  وجد المحور السعودي الإماراتي وإسرائيل ضرورة التنسيق والتعاون ضد عدوهم المشترك في المنطقة وهو إيران؛ مما أتاح أرضية مشتركة لتطوير روابط أمنية أوثق، وقد اعترفوا بقوة إسرائيل بوصفها حليفاً يمتلك القوة النووية لمواجهة التوسع الإيراني في المنطقة (2)، وهو توسع شكل تهديداً للدول الخليجية ولاسيما مع وجود إدارة أمريكية في عهد باراك أوباما كانت أكثر ميلاً إلى الجانب الإيراني منه إلى الجانب الخليجي التي رأت بأوباما شخصاً لا يمكن الوثوق به على رأس الإدارة الأمريكية؛ وقد تجلى هذا التحالف الخليجي-الإسرائيلي بنحو أدق بعد الاتفاق النووي مع إيران عام 2015، وتوسُّع إيران في الدول العربية مثل: اليمن، والعراق، ولبنان، وسوريا، والتهديدات الإقليمية التي بدأت بفرضها على الخارطة. لقد أثار اتفاق تطبيع العلاقات الإماراتية-الإسرائيلية ردود فعل من قبل الدول الخليجية وإيران على حد سواء، حيث إن موقف البحرين وسلطنة عُمان كان داعماً للتطبيع، بينما السعودية وقطر والكويت التزمت الصمت رسمياً؛ لذلك تريد تلك الدول التي ترغب في التطبيع بتشكيل تكتل إقليمي متماسك لمواجهة إيران وسياساتها في المنطقة (3) .

    فالدول الخليجية ترى في التهديد الإيراني تهديد وجود لها ولأنظمتها الحاكمة، بينما لا ترى هذا في إسرائيل التي تعمدت الحرص على إقامة علاقات معهم وليس تهديد عروشهم بنحو مباشر وعلني، مثلما تصرح به إيران، ولقد كان موقف إيران عند الإعلان عن التطبيع بين الإمارات وإسرائيل هو الرفض القطعي لها، فقد رأت في اتفاقية التطبيع بينهما، تهديداً لها، وبالفعل سوف تستثمر إسرائيل وجودها على الطرف الآخر من الخليج لأعمال تجسسية داخل العمق الإيراني مستغلة بذلك قربها من الإمارات.

    ولقد لوحت إيران بتغيير سياستها تجاه الإمارات على الرغم من أن الإمارات شريك اقتصادي مهم لإيران(4)، وهي مسألة تنذر بتغيير عميق في جوهر العلاقات بين البلدين، فهي على الرغم من التوتر والتنازع حول الجزر الإماراتية التي تسيطر عليها إيران منذ عام 1971، إلا أنها لم تصل لمستويات خطيرة؛ لذلك ومع ازدياد التوتر الإيراني الخليجي ترى إيران بأن الدول الخليجية تريد زيادة لسياسية الاحتواء المطبقة ضدها؛ بهدف إضعاف وجودها خارج حدودها مستفيدةً من سياسة الولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترامب الذي ما يزال يفرض عقوبات اقتصادية واحدة تلو الأخرى ضد إيران، والضغط الذي تمارسه إسرائيل ضد حزب الله في لبنان، وتشعر إيران بتلك الضغوط؛ لذلك فهي ترى أن فتح خط مواجهة جديد على الضفة الأخرى من الخليج سيزيد من عزلتها المفروضة عليها ولاسيما مع تراجع قيمة العملة الإيرانية، وانهيار الاقتصاد، واتساع رقعة الاحتجاجات الشعبية بين الحين والآخر.

    وترى إيران أن بإمكانها الضغط على دول الخليج عبر تحكّمها في مضيق هرمز الذي تمر منه أكثر من 70% من السفن المحملة بالنفط، ومع المناورات البحرية التي تجريها في مياهها الإقليمية من اجل استعراض قوتها في تلك المنطقة.

    ويبرز التساؤل: هل من الممكن زيادة التصعيد الإيراني ضد الخليج في عدد من النقاط أبرزها: تهديد تدفق النفط في الخليج العربي في ظل الاتفاق بين الإمارات وإسرائيل، وفي إطار الصراع مع دول الخليج العربي من المحتمل أن تلجأ إيران إلى التصعيد في منطقة الخليج العربي ولاسيما في التضييق على السفن كنوع من الاستفزاز لدول الخليج العربي، ومن خلفها الولايات المتحدة التي تؤكد أن تلك الأعمال من قبل إيران هي تهديد لها، فمصالح حلفائها تعني مصالحها (5).

    قد تقدم إيران في المدة المقبلة على إشعار دول الخليج العربي بتفوقها في خط الملاحة في المنطقة لتوصل رسائل إلى جميع الأطراف أنه حتى مع وجود إسرائيل، ما تزال إيران تتمتع بالنفوذ القوي والقدرة على فرض أمر واقع في مياه الخليج العربي، ويبدو أن هناك دولاً أخرى سوف تسير على خطى الإمارات في التطبيع على مستوى الدول الخليجية، ويبدو أن البحرين وسلطنة عُمان الأقرب إلى التطبيع القادم مع إسرائيل؛ بسبب المؤشرات والمعطيات في الماضي، بينما قطر تريد الابتعاد عن الموقف ولاسيما مع علاقاتها مع حماس وإيران، أما السعودية فهي الهدف الإسرائيلي الأهم، لكن يبدو أن ذلك بعيد في الوقت الراهن، أما الكويت فهي أيضاً تبدو بعيدة عن مسار التطبيع عبر التصريحات الرسمية ومواقفها الدائمة ضد إسرائيل في الأمم المتحدة، وتبدو السودان من الدول العربية التي من المحتمل أن تسلك مسار الإمارات في التطبيع مع إسرائيل لتصبح ثاني دولة عربية في أفريقيا تطبع مع إسرائيل بعد مصر، وبشأن العراق فهو أكثر الدول بعداً عن التطبيع حيث إن الرفض للتطبيع مع إسرائيل ينبع من قرار شعبي من جانب، ومن جانب آخر رفض حكومي لدى جميع الأطراف ولاسيما مع ردود الفعل تجاه إقامة علاقات مع إسرائيل.

    ويبرز تساؤل مهم هو: ماذا ستستفيد الدول الخليجية من إسرائيل في ضوء الصراع الحالي مع إيران؟ فمن دون شك ان الدول الخليج ولاسيما الإمارات ستستفيد من الجانب الاستخباراتي والتقني الإسرائيلي المتطور، وكذلك محاولة الحصول على أسلحة كانت محظورة، ولا يمكن الحصول عليها من قبل الولايات المتحدة، وهذا سوف ينعكس بنحو كبير على طبيعة الصراع مع إيران التي بدورها سوف تعمل على استمالة الجانب القطري وهو الأقرب لها في هذا الصراع بحكم طبيعة الموقف مع الإمارات بعد الحصار الذي فرض عليها من قبل الإمارات والسعودية، لكن التجارب السابقة في الصراع الخليجي-الإيراني أثبتت ميل الجانب القطري إلى المحور الخليجي، الولايات المتحدة بدورها سوف تعمل على تعظيم عمليه التطبيع في إطار خطة السلام التي تتبناها من أجل كسب مزيد من الدول العربية والخليجية لفتح العلاقات مع إسرائيل، وكل ذلك يصب في تقوية التحالف ضد إيران التي سوف يزداد الضغط عليها في الأيام المقبلة، وستستعين إيران لتقوية موقفها الإقليمي ببعض الدول الرافضة للتطبيع مع إسرائيل من داخل المنطقة العربية وخارجها ولاسيما باكستان الأقرب بتطابق وجهات النظر معها برفض التطبيع، فضلاً عن العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن.

    وستعمل دول الخليج العربي على التعاون مع إسرائيل ولاسيما بعد التطبيع من أجل مواجهة النفوذ الإيراني في لبنان كما يراه البعض عبر احتواء حزب الله وتصنيفه كمنظمة إرهابية تمهيداً لأي عمل موجه ضده سواء في سوريا أو في لبنان، إذ إن إسرائيل سبق أن اتهمت بضرب قوات تابعة لحزب الله في سوريا، وسينعكس التعاون الخليجي-الإسرائيلي كذلك على التفاهم في سوريا لإبعاد النفوذ الإيراني، وكذلك التركي وبخاصة مع تنفيذ إسرائيل لضربات جوية متعددة في الداخل السوري سواء ضد حزب الله، أو قوات النظام السوري أو بالنسبة للقوات الإيرانية. وتسعى الدول الخليجية كذلك إلى استغلال الجانب الأمريكي بعد تطبيع الإمارات مع إسرائيل في الحصول على مقاتلات جوية أو أسلحة أمريكية متطورة لم يكن مسموحاً للدول الخليجية امتلاكها؛ لأنها تمثل تهديداً للتفوق الإسرائيلي في المنطقة؛ وهذا سوف يعود بفائدة على شركات الأسلحة الأمريكية التي تريد أسواقاً دائمة لمنتجاتها كما في صفقة الطائرات 35F التي تحاول الإمارات الحصول عليها ولاسيما بعد اتفاق التطبيع.

    وفي النهاية فإن المصالح الإسرائيلية من التطبيع مع الإمارات في إطار الصراع مع إيران تعد كبيرة، ولاسيما مع التخوّف الإسرائيلي من الوجود الايراني على حدودها في منطقة الجولان السورية الذي يشكل تهديداً لها؛ لذلك فهي في النهاية تتشارك التهديدات الإيرانية مع دول الخليج العربي، وهذا ما سوف يساعد بفتح آفاق أكبر وأوسع في إطار التعاون المشترك بينهم لمواجهة الخطر الإيراني؛ لذلك سوف تستفيد إسرائيل من موقع الإمارات للتجسس على إيران، أو لإضعاف قدراتها النووية والعسكرية ولاسيما تطوير الصواريخ (6).

    ختاماً تبدو المتغيرات الإقليمية المترتبة على التطبيع الإماراتي-الإسرائيلي لن تتوقف عند حد معين عبر إمكانية عقد تحالفات مستقبلية، وتغيير سياسات دول الخليج وبما ينسجم مع تلك المتغيرات في المنطقة ودخول عامل التطبيع مع إسرائيل في مواجهة الخطر الإيراني كما تدّعيه دول الخليج، بل سوف يمتد إلى ما هو أعمق من ذلك في ضوء امكانية زيادة عدد الدول التي تلحق بالإمارات في عملية التطبيع مع إسرائيل.


    المصادر:

    1. التطبيع العربي مع إسرائيل: مظاهره، ودوافعه، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة:

    https://www.dohainstitute.org/ar/Lists/ACRPS-PDFDocumentLibrary/Arab-Normalization-with-Israel-its-Manifestations-and-Motives.pdf

    1. عمر رحمن، ماذا وراء العلاقات بين اسرائيل ودول الخليج العربية، معهد بروكينز للسياسات:

    https://www.brookings.edu/blog/order-from-chaos/2019/01/31. /

    1. إلينا ديلوجر، اتفاق التطبيع يقسم دول الخليج للوقت الراهن، معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى:

    https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/the-normalization-deal-splits-the-gulf-statesfor-now

    1. إيران تلوح بسياسة جديدة تجاه الإمارات بعد التطبيع مع إسرائيل

    https://www.dw.com/ar

    1. علي المعموري، سيناريو حرب الناقلات إلى أين، المركز العربي الديمقراطي، برلين:

    https://democraticac.de/?p=62610

    1. داليا داسا كاي، سياسات إسرائيل بشأن إيران بعد الاتفاق النووي، مؤسسة راند:

    https://www.rand.org/content/dam/rand/pubs/perspectives/PE200/PE207/RAND_PE207z1.arabic.pdf