أبدى القطاع العام العراقي مقاومة هائلة للإصلاح. وعلى الرغم من الدعم المقدم من المجتمع الدولي، بقيت محاولات الحكومة المتتالية لتحسين الحوكمة والتنمية المستدامة غير فعالة. ويعد فهم سبب فشل هذه الجهود أمراً مهماً لإجراء تحسينات مستدامة في أداء الحكومات العراقية المستقبلية. بعد أشهر من المظاهرات الشعبية الواسعة النطاق ضد النخبة الحاكمة، والإخفاقات العديدة في اختيار رئيس وزراء جديد، والتوترات بين الجانبين الأمريكي والإيراني على الأراضي العراقية، هز البلاد تطوران خارجان عن سيطرتها، هما: انهيار أسعار النفط، وفايروس كورونا.
إن آثار هذه الصدمة المزدوجة على القطاع العام العراقي مقلقة جداً؛ لاعتماد العديد من العراقيين عليه مصدراً للدخل. ويعني النمو الهائل في الوظائف الحكومية منذ عام 2003 أن الرواتب والمعاشات تمثل الآن أكثر من 45% من إجمالي الإنفاق الحكومي. وسيحد انخفاض عائدات النفط بشدة من قدرة الحكومة على تغطية هذه الالتزامات الشهرية دون اللجوء إلى الديون الضخمة التي ستؤدي إلى خراب اقتصادي؛ ولتجنب ذلك، ستحتاج الحكومات المتتالية إلى الالتزام باستراتيجية واضحة وحاسمة في أثناء معالجة معظم المتطلبات الأساسية للعراقيين، بما في ذلك توفير الوظائف، والخدمات الأساسية، ومعالجة الفساد المتفشي الذي يمنع الاستثمار في البنية التحتية للعراق.
إن الهدف المنشود من هذه الورقة هو المساعدة في توجيه صانعي السياسات، والمؤسسات المالية الدولية، ووكالات التنمية في تنفيذ برامج إصلاح القطاع العام في العراق. ويجدر التأكيد على أن المأزق الذي يمر فيه العراق ليس استثنائياً بأي حال من الأحوال، وتوضح هذه الورقة التجارب ذات الصلة للدول الأخرى لبيان كيفية التغلب على عقبات الإصلاح. وبالاعتماد على سلسلة من المناقشات مع ذوي الخبرة في جهود الإصلاح في العراق، تبدأ هذه الورقة بتحديد مجموعة من الافتراضات عن قيود الإصلاح في البلاد، وتستند هذه الافتراضات إلى نجاحات جهود الإصلاح السابقة وإخفاقاتها، مع مراعاة الوضع السياسي السائد، والقدرة المؤسسية للبلد.