تمهيد
تناولت العديد من الدراسات موضوع الدين العام كمحفز للنمو الاقتصادي؛ نتيجة استخداماته التمويلية لسد عجز الموازنة وتمويل الاستثمارات في الموازنة العامة، وأن وجوده بات ضروريا ولاسيما في البلدان النامية، إذ أصبح من أهم الأدوات المالية التي تعالج عجز الموازنة من جهة، وأكثر خطورة على الاقتصاد، ومن جهة أخرى لتفاقمه وصولاً لضائقة الدين؛ وبالتالي ينبغي أن يُدرس الدين العام من منظور تأثير النشاط الاقتصادي على مستوياته؛ ونعني بذلك أن يكون الدين العام تابعاً للمتغيّرات الاقتصادية التي من الممكن أن يكون لها أثر في تخفيض هذا الدين عبر خفض الإنفاق، وعجز الموازنة، ورفع مستوى الناتج المحلي الإجمالي، والاحتياطيات، وكذلك الإيرادات العامة.
المطلب الأول: مدخل نظري
أولاً: مفهوم الدﱠين العام والاستدامة: Public Debt
حين تزيد النفقات العامة على الإيرادات فإن الفرق يغطى بعدة طرق أهمها: الاقتراض، وإصدار نقود جديدة، إذ تصدر الدولة مقابل هذه القروض سندات تسمى سندات الدﱠين العام؛ لذلك فإن مجموع ما تصدره الدولة من سندات الدﱠين على الحكومة خلال الزمن مطروحاً منه ما تم سداده يسمى الدﱠين العام public debt، وهذا الأخير يشكل جميع الالتزامات المالية التي بمقتضاها تلتزم الدولة بدفع الفوائد عليها، وتتعهد بسداد أصل المبالغ المقترضة، ويزداد حجم الدﱠين العام عبر زيادة القروض العامة. ويشير تحليل استدامة الدين العام (DSA) إلى أن يكون المقترض قادراً على أن يستمر بتسديد ديونه من دون الرجوع إلى تصحيح هيكلي لتحقيق التوازن بين الإيرادات والنفقات، وأن الهدف من تحليل استدامة الدﱠين العام (Public Debt Sustainability Analysis) زيادة قدرة الدولة في تمويل برامج السياسة المالية (Fiscal policy programs).
ثانياً: عجز الموازنة: لا يسمح الفكر الاقتصادي الكلاسيكي بحدوث العجز في الموازنة؛ لأنه يفترض أن تكون النفقات العامة مساوية للإيرادات العامة، وهذا هو مبدأ عدم تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية، أما الفكر الكينزي فقد أجاز بوجود عجز الموازنة؛ وبالتالي إمكانية تمويله من طريق التمويل التضخمي في حالة تعرض الاقتصاد إلى انخفاض في مستوى التشغيل الكامل، واشترط في ذلك التوقف عن هذه الوسيلة في حالة وصول الاقتصاد إلى التشغيل الكامل، ويمكن تعريف عجز الموازنة على أنه الاختلال الناجم عن انخفاض مستوى الإيرادات عن النفقات العامة؛ أي يكون الإنفاق أعلى من الإيراد؛ وبالتالي تلجأ الحكومة لسد هذا العجز عبر الإصدار النقدي الجديد، أو عبر أداة الدين العام، أو بقية الوسائل المالية المتاحة.