هشام الهاشمي، زميل غير مقيم بمركز السياسة العالمية، وهو خبير أمني رائد يركز في الحركات الإسلامية الذي نصح التحالف بقيادة الولايات المتحدة على هزيمة داعش.
بعد انهيار خلافة تنظيم داعش في عام 2017 في العراق والعام الماضي في سوريا، نوقشت عودة عوائل داعش إلى منازلهم بنحو حصري تقريباً إلى الدول الغربية. وكانت معظم هذه الدول مترددة في السماح لهذه العائلات بالعودة إلى بلدانهم، لأسباب أمنية وسياسية، ولصعوبة محاكمة أي شخص متورط مع داعش في سوريا. لكن المشكلة معقدة أكثر في أماكن مثل العراق وسوريا، حيث ما يزال العديد من الناس يرفضون عودة أولئك الذين يسمونهم “بعوائل داعش” عائلات، أو أفراد، عشائر (نشيطون، أو مسجونون، أو متوفون) انضموا إلى التنظيم بعد عام 2014. في جميع أنحاء العراق، يعدّ الناس والسلطات هذه العوائل كعوامل مساعدة محتملة لتجديد أنشطة داعش. على الرغم من الجهود المكثفة التي يبذلها المسؤولون المحليون والكيانات المحلية لإعادة دمج هذه العائلات في مجتمعاتهم، إلا أن المخاوف الأمنية، والقضايا العشائرية، والطائفية، وغيرها من العقبات الهائلة التي ما تزال قائمة.
الهجمات المرتبطة بالعائلات العائدة
مصطلح “العائلات التي لها علاقات مع داعش” هو مصطلح ظهر في العراق وسوريا بعد البدء بعمليات طرد داعش من معاقلها المأهولة؛ وهذا التعريف الرسمي يعني عادة واحداً مما يأتي:
- تعهد أحد أفراد الأسرة، أو الأب، أو الأسرة بأكملها بالولاء والمشاركة في أنشطة لوجستية أو قتالية.
- تعهد أحد أفراد الأسرة، أو الأب، أو الأسرة بأكملها بالولاء، وعدم المشاركة في أي نشاط.
- تعهد أحد أفراد الأسرة، أو الأب، أو الأسرة بأكملها بالولاء وتعايش اقتصادياً، أو في الدوائر نفسها مع داعش ولم يشارك في أي عمل.
- أجبر أحد أفراد الأسرة، أو الأب، أو الأسرة بأكملها على التعهد بالولاء ولم يشارك في أي عمل.
- انتقال عائلة من مدينتها الأصلية ولديها فرد مدرج في إحدى الفئات المذكورة آنفاً.
في مناطق جنوب نينوى، وسهل نينوى، تصنف عوائل داعش التي عادت بالفعل إلى مدنها وقراها ضمن إحدى الفئات الثلاث:
- عائلات هربت من مدنها ونهبت منازلها، حتى لو كان أحد أفراد الأسرة مع داعش، وهم مرحب بهم بالعودة إلى مجتمعاتهم. ووقعت حالات كذلك في المحلبية غربي الموصل، والشورة، وحمام العليل جنوب الموصل.
- عائلات أعضاء داعش أو مؤيدوها الذين أبلغوا قوات الأمن بأقاربهم الذين انضموا إلى داعش بعد تحرير المدينة، والذين هم خارج الشبهات. عُثر على مثل هذه الحالات في الشورة وحمام العليل.
- عائلات مع أفراد تعهدوا بالولاء لتنظيم داعش وبقوا على قيد الحياة، ويتعرضون باستمرار للمضايقة والتشريد.
تقول السلطات العراقية إن أكثر من 300 ألف شخص ممن لهم صلات عائلية بداعش يعيشون في مخيمات منتشرة في 10 محافظات عراقية على الأقل. على الرغم من أن العديد من العائلات النازحة عادت إلى مناطقها الأصلية، إلا أن الكثيرين منهم لم يتمكنوا من العودة إلى منازلهم الفعلية وما يزالون يعيشون في ملاجئ ومخيمات قريبة. وفضلاً عن ذلك، يعيش 32000 عراقي في مخيمات النازحين في شمال سوريا وشرقها. (مشكلة عوائل داعش النازحة في العراق أقل من مشكلة سوريا، حيث أعداد النازحين أكثر بكثير مما هو في العراق).
المصدر: وزارة الهجرة والمهجرين.
ربط تحقيق أجرته أجهزة الأمن والمخابرات العراقية تصاعداً حديثاً في هجمات داعش مع عائلات مقاتلي داعش النازحين العائدين إلى مناطقهم الأصلية. ويقول المسؤولون إنهم توصلوا إلى هذا الاستنتاج بعد إدراك الأنماط الخاصّة بعودة هذه العائلات، وكذلك المعلومات من القوات القبلية والمحلية، وقوات الحشد الشعبي العاملة في تلك المناطق.
تتطلب العلاقة الظاهرة بين الأنشطة الإرهابية وعودة عوائل داعش تدقيقاً أوثق. إذا كان هناك صلة بين العوائل والتنظيم، فإن هذا سيمثل تحدياً أمنياً جديداً عندما تبدأ هذه العائلات في العودة إلى قراها وبلداتها، ولا يمكن للعراق مواجهة هذا التحدي وحده. وإذا كان الاتصال غير موجود، فإن ربط الأنشطة الإرهابية بالعائلات لوجود أفراد قاتلوا من أجل داعش أمر مثير للقلق أيضاً، فقد يؤدي إلى تهميش شريحة كبيرة من السكان العراقيين. ويمثل كلا السيناريوين تحدياً أمنياً يتطلب الدعم العاجل من جميع الدول والهيئات غير الحكومية المهتمة بالعراق وانتشار داعش.
وصعّبت الشكوك بوجود صلة بين عوائل والهجمات الأخيرة للتنظيم من إعادة دمج هذه العائلات في مجتمعاتها الأصلية. ومن المرجح أن هذه الشكوك ساعدت في نزوحهم القسري، كما حدث في الشرقاط والمقدادية والعبارة في ديالى. ومنعت أسباب مختلفة -بما في ذلك التوترات العرقية والطائفية والأمنية- السكان السنة في أكثر من 400 قرية بالقرب من الحدود العراقية السورية من العودة إلى ديارهم في شمال العراق وغربه. وأعرب المسؤولون في المدن المحررة عن قلقهم بشأن صعوبة التعامل مع النظام العشائري العراقي المعقد.
قضية خلافية
اتصل الكاتب بالعديد من المسؤولين والكيانات الحكومية وسألهم عن آرائهم بشأن عودة أفراد العوائل الذين يشتبه بصلتهم بتنظيم داعش إلى مجتمعاتهم مع استمرار العمليات الأمنية. وتباينت الإجابات بشأن ذلك:
إذ يؤيد محافظ نينوى نجم الجبوري عودة عوائل داعش، وقال إنه غير معني بما إذا كانت المشكلة ستستغرق عاماً آخر لحلها، وأن العودة تعتمد على توفير السكن والخدمات المناسبة لتسريع اندماج هذه العوائل مع المجتمع المحلي. وإذا استوفيت هذه الشروط، يمكن للعائلات العودة إلى مناطقهم باستثناء القرى خارج الموصل في جنوب نينوى وغربها لأسباب اقتصادية، واجتماعية، وقبلية بنحو رئيس، بدلاً من مخاوف قانونية أو أمنية. وأضاف أن التصاريح الأمنية مطلوبة من أجل تبرئة هذه العائلات والسماح لها بمغادرة المخيمات وحمايتها من الملاحقة القانونية، وأضاف أن على قوات الأمن في بغداد إصدار أنموذج استمارة موحد ليكون متاحاً عند الطلب في غضون ثلاثة أيام.
على الرغم من أن العشائر في منطقة الحضر جنوب غرب نينوى، تقول إنها لا تؤمن بمعاقبة أقارب عناصر داعش لمجرد ارتباط الأسري، إلا أن التنظيم خلف وراءه جروحاً عميقة وانقسامات واسعة بين العشائر، فكثير منهم فجرت منازلهم، أو قتل أحد من أفراد أسرهم. وعلى وفق للعضو السابق في البرلمان عبد الرحمن اللوزي، اعتاد أعضاء داعش على الخروج وتنفيذ العمليات، ثم العودة إلى منازلهم وعائلاتهم، الذين يعتقد أنه كان ينبغي أن يتدخلوا عندما علموا بأنشطة أبنائهم الإرهابية. وغالباً ما يكون هذا الرأي هو ما يستشهد به السكان كسبب لاعتبار هذه العائلات كشركاء لأبنائهم ورفض السماح لهم بالعودة.
في تلعفر غرب نينوى، شرط الحشد الشعبي عودة عوائل داعش على توفير الحكومة للخدمات لعوائل الضحايا. ورافق ذلك تعبير عوائل الضحايا عن غضبهم؛ بسبب التأخيرات غير المبررة في تحقيق العدالة أو الحصول على التعويضات؛ لذلك تواجه السلطات مشكلتي إرضاء أسر الضحايا وإرجاع عوائل الجناة إلى مناطق سكناهم.
أما محافظ كركوك راكان الجبوري فيؤيد العودة الفورية للعائلات، ويقول إن العشائر العربية السنية، والتركمان السنة، والأكراد يؤيدون هذه السياسة. ويضيف أن المشكلة الرئيسة تكمن في معارضة التركمان الشيعة والحشد الشعبي. وقد فشلت المحاولات السابقة لإعادة توطين العائلات في قرى آمرلي، وسلمان باك، وداقوق، والبشير، والدبس، وطوز خورماتو. بالنسبة للمحافظ، لا توجد عقبات قانونية وعشائرية واقتصادية أمام عودة هذه العائلات، وتتمثل العقبات الرئيسة في المخاوف الأمنية من الحشد الشعبي، ولاسيما التركمان الشيعة، على الرغم من أن الأسر المعنية قد تم تبرئتها من قبل مستشارية الأمن الوطني والاستخبارات العسكرية.
أما في الحويجة، جنوب غرب كركوك، قررت عشائر الجبور وشمر بالتنسيق مع الحشد الشعبي على إجبار أي عائلة تضم أحد عناصر داعش لم يستسلم من قبل على المغادرة. تشتبه هذه العشائر والقوات الأمنية في تعاون هذه العائلات مع عناصر داعش، نظراً لما حدث من هجمات أخيرة. إن إخلاء العائلات المرتبطة بداعش في الحويجة، على وجه الخصوص، سيتطلب جهداً هائلاً بالنظر إلى أعدادهم الكبيرة.
ويدعم محافظ الأنبار علي فرحان الدليمي عودة العائلات وإغلاق جميع مخيمات النازحين بحلول خريف عام 2020. وقال إنه لا توجد أسباب قانونية وأمنية لاستمرار النزوح، وهناك فقط أسباب اجتماعية وقبلية يمكن التغلّب عليها بتطبيق القانون والحصول على تعهدات من زعماء العشائر بالتوقف عن مضايقة العائلات العائدة. إن التصاريح الأمنية للأفراد المشتبه بهم في الأنبار لا معنى لها الآن، إذ يجب مراجعة جميع الحالات من قبل المخابرات ومستشارية الأمن الوطني لجميع العائلات داخل المخيمات. وقد أحيل الأشخاص الذين يشتبه في صلتهم بالتنظيم إلى السلطات القانونية.
ويدعم محافظ صلاح الدين عمار جبر خليل أيضاً عودة العائلات، وقال إن ذلك تم بالتعاون مع قوات الأمن العراقية وشيوخ العشائر في جميع المحافظات باستثناء الشرقاط شمال بيجي، والصينية، وجزء صغير من يثرب والعوجة. وأكد عدم وجود عقبات قانونية تمنع عودة العائلات، فقط القضايا الاقتصادية، والأمنية، والقبلية، والاجتماعية. وقال: في مناطقي ليست هناك حاجة إلى تصاريح أمنية، إذ قام مجلس العشائر، والمخابرات، ومستشارية الأمن الوطني بتوزيع استمارة على جميع العائلات داخل مخيمات النازحين، وتمت مراجعتها وتقييمها. وأضاف أن النضال الحقيقي سيكون في تقديم المساعدة الاقتصادية لهذه العائلات التي دمرت مدنهم بالكامل.
وقال رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة صلاح الدين جاسم جبارة إن عشائر ضحايا داعش وأسرهم لا يمكنهم تحمل الحديث عن عودة هذه العائلات ودمج أسر داعش في المجتمع. حتى أولئك الذين حصلوا على تصاريح أمنية وقضائية ليسوا موضع ترحيب. ومع الزيادة الأخيرة في الهجمات، أصبحت عوائل مقاتلي تنظيم داعش في خطر كبير.
وأوقف محافظ ديالى مثنى التميمي عمليات المساعدة في عودة العائلات لمدة عامين آخرين، مشيراً إلى وجود عقبات قانونية، واقتصادية، وعشائرية، واجتماعية، وأمنية. وإن هناك حاجة إلى التصاريح الأمنية من أجل تبرئة العائلات، وعلى بغداد السماح للعائلات ببدء هذه العملية. وأضاف التميمي أن ليس من الآمن عودة العائلات إلى ديالى، ولاسيما مع زيادة هجمات داعش. فضلاً عن ذلك، قدمت قيادة عمليات ديالى والحشد الشعبي اقتراحاً ينصح فيه برفض عودة عوائل داعش إلى أن تتوقف عمليات التنظيم الانتقامية.
الحد من الأخطار
وفي ضوء الأحداث الجارية، يجب اتخاذ العديد من الإجراءات الوقائية لمنع زيادة حالات النزوح وتقليل مستويات الخطر التي قد تواجهها عوائل داعش التي تعود إلى ديارها من المجتمعات المتضررة أو التي يسودها الشك تجاه هذه العوائل.
على المجتمع الدولي تقديم المساعدة المالية والخبرة التقنية للحكومات والعشائر المحلية للمساعدة في إدارة الأزمة وتحقيق التكامل والتعايش، ويجب أيضاً تدريب العوائل العائدة وتشجيعها على تقديم معلومات استخبارية موثوقة عن أفرادها الذين ما يزالون مع تنظيم داعش.
وعلى السلطات الاتحادية العراقية والمجتمع الدولي المساعدة في دعم عائلات الضحايا كجزء من برنامج إعادة التوطين -بمساعدة رؤساء العشائر- لتخفيف معاناتهم والسماح لهم بقبول فكرة عودة عوائل داعش.
ودون حل هذه المشكلة، سيواجه العراق قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في المستقبل إذا ما سعى داعش إلى إحياء عمله بعد انهيار الخلافة. وتشكل عائلات مقاتلي داعش نسبة كبيرة من السكان العراقيين، وخلافاً لعائلات المقاتلين الأجانب، سيكون هؤلاء مشكلة للعراق وشركائه عند التعامل مع الجيل القادم في حال عدم إيجاد حلول في الوقت الحاضر.
المصدر:
https://cgpolicy.org/articles/isis-in-iraq-the-challenge-of-reintegrating-isis-families/