back to top
المزيد

    أين تستخدم الدول طاقتها؟ دروس مستقاة من تجربة النرويج

    محمود سريع القلم

    يبلغ عدد سكان النرويج خمسة ملايين وثلاث مئة ألف نسمة، ويبلغ الناتج المحلي الإجمالي قرابة (515) مليار دولار، وتعد النرویج من الدول المستقرة والمتطورة جداً في العالم. تبلغ مساحتها (307.860) كيلومتراً مربعاً، ومساحة المسطحات المائية (16.360) كيلومتراً مربعاً (المجموع (324.220) كيلومتراً مربعاً) تشكل المنطقة الجنوبية في النرويج مجموعة من الانزلاقات (indentation) والمثلجات الطبيعية (Glaciers)، والمضائق البحرية (Fjord)  والجزر. يوجد في هذا البلد قرابة (65000) بحيرة.

    في الوقت الراهن إذا أراد أحد المواطنين السفر من أقصى نقاط الجنوب الساحلية إلى أقصى نقاط الشمال الساحلية للنرويج، فسيستغرق سفره 21 ساعة، ويتعيّن عليه أن يستقل سبع مرات سفن وعبارات حمل السيارات. ونظراً إلى أن 60% من المنتجات النرويجية تُنتج في المناطق الساحلية، تضطلع منظومة النقل بدور محوري في النمو الوطني وتصاعد نسبة تعلم المناطق في المحافظات من بعضها؛ وانطلاقاً من هذا الأمر بدأت حكومة النرويج عام 2018 عبر تخصيص مبلغ (47) مليار دولار بمشروع الربط الطرقي والسككي من الجنوب وصولاً إلى الشمال بمسافة (1100) كيلومتر من الطريق السريع.

    يتضمن هذا المشروع عشرات المشاريع الصغيرة أيضاً بمحوريين أساسيين هما:

    1- إنشاء نفق معلق تحت سطح الماء (27) كيلومتراً، لا يربطه بسطح الماء أي أعمدة خرسانية بل هو معلق، وسوف تستقر أوزان الهياكل الفلزية على سطح المياه، ويعدُّ هذا الإنجاز الهندسي لا مثيل له في العالم.

    2- جسر بطول (5) كيلومترات يرتكز إلى عمودين خرسانيين يفوق طول كل واحد منهما برج إيفل بمسافة (150) متراً، ويبلغ طول هذا الجسر ثلاثة أضعاف طول Golden Gate [البوابة الذهبية] في سان فرانسيسكو بأمريكا، حيث سيكون أعلى جسر في العالم.

    الأمر الذي يسترعي الاهتمام يكمن في تعاون ثلاث جامعات و(50) طالب دكتوراه في فرع الهندسة في تنفيذ هذا المشروع، حيث سينفذون أطروحاتهم بشأن الأقسام المهمة لهذا الطريق السريع. وتشير التقديرات إلى أن الانتهاء من تنفيذ الأقسام المهمة من هذا الطريق السريع سيكون في العام 2026.

    يقال إن هذا المشروع من الناحية الهندسية أعقد بكثير من نفق بحر المانش الواصل بين فرنسا وبريطانيا، الذي بدأ العمل به عام 1988 وانتهى عام 1994. حيث قلص النفق بين فرنسا وبريطانيا ساعات السفر اللازمة لقطع مسافة تبلغ (454) كيلومتراً بين باريس ولندن من ست ساعات إلى ساعتين وخمس عشرة دقيقة عبر القطار. بلغت تكلفة هذا المشروع (15) مليار يورو، وشارك في تنفيذ هذا النفق الذي يبلغ عمقه على الأقل 75-115 متراً تحت سطح البحر (15000) عامل، وخمسة بنوك، و6 شركات متخصصة في البناء والإعمار، وتعود فكرة إنشاء هذا النفق إلى المهندس الفرنسي Albert Mathieu-Favier الذي طرحها عام 1802 (يعني قبل 218 عاماً).

    يقلص مشروع الطريق السريع في النرويج ساعات السفر اللازمة للانتقال من الجنوب إلى أقصى نقاط الشمال في هذا البلد من (21) ساعة إلى (10) ساعات، ويقلص (50) كيلومتراً من المسار الذي تقطعه العبارات والسفن أيضاً.

     توقعت إدارة الطرق في النرويج مواجهة تحديات في تنفيذ هذا المشروع، وهي:

    – إدارة المشروع بأكمله رقمياً.

    – إدارة كهرباء النفق المعلق.

    – رصد سرعة الرياح الشديدة وتشكل الصقيع في فصل الشتاء.

    – تقليص استخدام الوقود الأحفوري (تعد النرويج أكبر بلد في العالم يمتلك سيارات كهربائية).

    – تصميمات الهياكل الفلزية التي لا تؤثر فيها الترسبات وتآكل الإسمنت.

    – تبعات النمو والازدهار الاقتصادي للطريق السريع.

    – التبعات الاجتماعية والخدمات العامة للطريق السريع.

    – العوائد الناجمة من الضرائب لمدة 20 عاماً.

    في العادة يلجأ الأطباء خلال إجراء المعاينة الأولية إلى مؤشرات مثل ضغط الدم ودرجة الحرارة، وفي العلوم الاجتماعية أولى المؤشرات الداخلة في تقييم أي مجتمع تكمن في طريقة حلّ ذلك المجتمع للمشكلات القائمة بين الحكومة والمجتمع؟ ففي النرويج معيار حلّ الاختلاف بين الحكومة والمجتمع يتمثل في المصلحة العامة (Public interest)  فأي تفكير وأي سياسة، وبرنامج، ومشروع، وميزانية تُقاس عبر المعيار (Benchmark) التالي: هل هي مفيدة للناس؟

    تستفيد حكومة النرويج من 4% فقط من عوائد صناعة النفط والغاز في ميزانيتها الحالية، وفي عام 1990 أسسأت صندوق الثروة السيادة أو النفط؛ ومنذ ذلك التأريخ عكفت على استثمار عوائد نفطها في أقصى نقاط العالم، وتقوم بالادخار لكل مواطن نرويجي؛ خشية وقوع أمور غير متوقعة، ويبلغ رأس مال صندوق السيادة النرويجي حالياً تريليون دولار.

    خلال عام 1908 لخص الميرزا يوسف خان التبريزي (مستشار الدولة) الحكم في كتاب “كلمة واحدة” بأن: قانون المصلحة العامة لا يُراعى فقط من قبل الحكومة والشعب النرويجي بل هو محفور في وعي عموم الشعب. ولأن الشعب النرويجي صادق فيصل بسرعة إلى نتيجة القانون والمصلحة العامة، لذا فعموم المشاريع الحكومية في النرويج تصب في سياق المصلحة العامة.

    موقع الدبلوماسية الايرانية: https://b2n.ir/614680