يرى بعض المحللين أن سيناريو عكس العوامل الأساسية للنفط أمر ممكن.
عالم الاقتصاد:
لقد انخفض الطلب على النفط إلى أدنى مستوى له على الإطلاق في الشهر الماضي، وذلك إثر انتشار وباء كورونا العالمي، ولكن أدت بعد ذلك إجراءات رفع الحجر الصحي وإعادة فتح العديد من الشركات والمحال التجارية المغلقة إلى زيادة الطلب. ومن ناحية أخرى، أخذت الدول المنتجة داخل منظمة أوبك بلس وخارجها تقلل بسرعة من جانب العرض في السوق. وعلى هذا الأساس، يعتقد بعض المحللين أن الطلب على النفط سوف يتجاوز العرض في الربع الثالث من عام 2020. على الرغم من أن هناك العديد من العقبات في مسار تحقيق ذلك.
وحتى قبل أن يجتاح فيروس كورونا الجديد أو ما يسمى بـ “كوفيد 19” جميع أنحاء العالم ويضع الأسواق العالمية -بما في ذلك النفط- في أزمة نقص الطلب، لقد كان فائض العرض من المشكلات الأساسية للسوق؛ ولهذا السبب شُكلت مجموعة من أعضاء أوبك والدول المنتجة الأخرى مثل روسيا على مدى السنوات الثلاث الماضية، وذلك بهدف تقليل إنتاج النفط خلال الاتفاقيات المتعاقبة. ومع ذلك، يتحدث بعض المحللين الآن عن سيناريو جديد. إنهم يعتقدون أنه من الممكن أن تتجاوز نسبة استهلاك النفط العرض في الأشهر المقبلة.
وقال جون كمب – كاتب عمود لوكالة رويترز وكبير محللي النفط في تقرير نشر عبر هذه الوكالة- إنه إذا واصلت منظمة أوبك+، من جهة، المرحلة الأولى من اتفاقها، التي تتطلب منها خفض 7/9 مليون برميل في اليوم، سوف يعاني منتجو النفط الصخري في الولايات المتحدة من انخفاض إضافي في الإنتاج؛ بسبب انخفاض الأسعار -ومن جهة أخرى- إذا استمر تخفيض قيود الحجر الصحي في الاقتصادات الكبرى في العالم، وفي حال عدم حدوث الموجة الثانية من انتشار كورونا، من المتوقع أن يرتفع مستوى استهلاك النفط من بداية تموز (بعد أقل من شهر ونصف). ومع ذلك، فإن الطلب على النفط في هذا السيناريو، سيكون أقل بكثير من مستويات العام الماضي، وتم تأكيد هذا التوقع من قبل محللي “كومرس بنك”. وأفاد هذا البنك في مذكرة إن سوق النفط ربما تعاني -في ظل ظروف ما- من نقص متوسط قدره 5/5 مليون برميل يومياً في النصف الثاني من عام 2020. ويمكن استبعاد هذا التحليل الصادر عن الخبراء في سوق النفط على وفق أي من الشروط المذكورة آنفاً.
سيناقش أعضاء أوبك+ الأوضاع في سوق النفط خلال اجتماع يُعقد الشهر المقبل، بحيث من الممكن أن يُجري خلاله أي تعديلات على اتفاق نيسان الماضي، أو يتوقع جون كمب أنه لن يتم تمديد المستوى الحالي لخفض الإنتاج؛ الأمر الذي يمكن أن يضع العرض في مستوى أعلى بكثير مما هو عليه. ومن ناحية أخرى، مع ارتفاع أسعار النفط -بسبب تحسن الاستهلاك- سيعيد منتجو النفط الصخري فتح الآبار. وإن هذا الموضوع -على وفق وجهة نظر محلل الشؤون النفطية في بلومبرغ جوليان لي- يمثل تهديداً لعودة النفط إلى مستوياته الأعلى.
لقد قفزت أسعار النفط في اليوم الأول من الأسبوع الحالي إلى أعلى مستوى لها في الشهرين الأخيرين. وارتفعت أسعار عقود الخام الأمريكي تسليم شهر حزيران، الذي ينتهي يوم الثلاثاء، بمقدار 78/2 دولار، أي ما يعادل نسبة 45/9 في المئة، حيث وصلت إلى 21/32 دولار للبرميل في وقت كتابة هذا التقرير (الساعة الخامسة مساءً بتوقيت طهران). وفي الوقت نفسه، ارتفع سعر نفط برنت بأكثر من 2 دولار، أي ما يعادل 4/6 في المئة، ليتم تداوله عند 58/34 دولار للبرميل. وأخبر تجار ومديرو صناعة النفط بلومبرغ أن استهلاك الصين من النفط وصل إلى 13 مليون برميل يومياً، وهو قريب من المستوى الذي كان عليه قبل عام في هذا البلد. وهذا يدل على سرعة انتعاش النفط؛ مما أعطى الناشطين في السوق المزيد من الأمل من أي وقت مضى.
هل تنقلب السوق؟
إن تقليل القيود المفروضة على حركة المرور في مختلف البلدان التي تضررت من جراء وباء كورونا، ساعد كثيراً على تحسين السوق خلال الأسابيع القليلة الماضية. وهذا الأمر مهم بنحو خاص في الولايات المتحدة، باعتبارها أكبر مستهلك للنفط في العالم. إن إجراءات الحجر الصحي آخذة في الانخفاض في العديد من ولايات البلاد، وفي هذا الصدد، تظهر الإحصاءات المحلية الأمريكية زيادة في استهلاك الوقود في هذا البلد. وعلى هذا الأساس، وعلى وفق إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، فقد بلغ إجمالي المعروض من المنتجات البترولية في البلاد 8/16 مليون برميل يومياً خلال الأسبوع الماضي. وهذا يزيد بمقدار 3 ملايين برميل عن عرض هذه المنتجات في أوائل شهر نيسان. ومع ذلك، فإنه ما يزال حوالي 5 ملايين برميل أقل من مستويات ما قبل انتشار كورونا. وأصبح الناس أكثر ميلاً لاستخدام المركبات الخاصة للوقاية من العدوى، ومن الواضح أن هذا الأمر يزيد من استهلاك البنزين.
وعلى وفق وكالة رويترز، لقد زاد المعروض المحلي من البنزين في الولايات المتحدة بأكثر من مليوني برميل يومياً مقارنة ببداية نيسان، وهو بالطبع، أقل بـ 2 مليون برميل مما كان عليه قبل انتشار جائحة كوفيد -19. ومن ناحية أخرى، تساعد الزيادة التدريجية في نشاط الصناعات ونقل البضائع، في استهلاك الوقود، وهذا الأمر في الغالب يؤثر على الوقود المتوسط مثل الديزل. إن هذه الأنواع من الوقود تزيد الآن بمقدار مليون برميل يومياً عن المستوى الذي كانت عليه أوائل الشهر الماضي وأقل بمقدار 500 ألف برميل فقط عن المستوى الذي كانت عليه قبل انتشار كورونا. ومع ذلك، لا يوجد أي تحسن في قطاع استهلاك وقود الطيران، لأنه تم إلغاء معظم الرحلات الجوية وباتت الطائرات عالقة في المطارات. وفي هذا القطاع، وصلت إمدادات وقود النفاثات إلى أقل من 400 ألف برميل في اليوم، إذ يُعدُّ ربع المعدل قبل تفشي كورونا، ولا يظهر أي علامات على زيادة الاستهلاك مقارنة بالشهر الماضي. ومع ظهور الاتجاه التصاعدي المستمر في استهلاك الوقود، في أكبر اقتصاد في العالم، يرى جون كمب أنه من الممكن تفوق العرض على الاستهلاك العالمي للنفط منذ بداية تموز، وذلك عبر أخذ ظروف ما بالحسبان. ويقول هذا الخبير النفطي، إذا استمرت الاقتصادات الكبرى في العالم بهذه العملية التدريجية للخروج من الحجر الصحي، يجب أن يكون انخفاض الطلب العالمي على النفط في نهاية حزيران بنحو 12 إلى 15 مليون برميل يومياً مقارنة بالعام الماضي. ويقدر خفض الطلب بنحو 25 إلى 30 مليون برميل يومياً في شهر نيسان.
وعلى هذا الأساس، يعتقد جون كمب أنه في حال حافظ أعضاء أوبك بلاس على الإنتاج الحالي، وعندما ينخفض إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة أكثر بسبب انخفاض أسعار النفط، يجب توقع حدوث هذا السيناريو في بدايات شهر تموز. ومع ذلك، فإن هذا السناريو يحتوي على الكثير من التجاذبات. على سبيل المثال، من المتوقع أن ينخفض احتياطي النفط الخام العالمي بنحو حاد في الربع الثالث من هذا العام. ومع ذلك، تُظهر سوق النفط حالياً العديد من علامات التحسن. ومن جهة أخرى، فيما يتعلق بالتحليل الخاص بأرقام إنتاج واستهلاك النفط المنشور في بلومبرغ، فإن إحصائيات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية بشأن خفض إنتاج النفط بين 2/1 و4/1 مليون برميل يومياً في هذا البلد، أصبحت موضع تساؤل.
وعلى وفق التقرير، فإن الانخفاض في إنتاج الولايات المتحدة هو أكبر بكثير من هذا، ويكون على مستوى نحو 4/2 مليون برميل يومياً؛ وهذا يعني انخفاضاً بنسبة 18 في المئة في الإنتاج في هذا البلد ووصوله إلى 6/10 مليون برميل يومياً. ويصنف هذا التقرير على هذا الأساس الولايات المتحدة بين منتجي النفط الآخرين، مثل السعودية وروسيا، ويقول إن هذا قد لا يكون الشيء الذي يبحث عنه ترامب، ولكن الشركات الأمريكية أخذت تخفض الإنتاج بشكل مسرع بسبب أسعار النفط المنخفضة. ومن ناحية أخرى، انخفض عدد الحفارات النفطية للأسبوع التاسع على التوالي وقد انخفض إلى مستوى عام 2009، وفضلاً عن ذلك، انخفض مستوى تخزين النفط في مركز كوشينغ-أوكلاهوما للمرة الأولى منذ أواخر شباط، وهو الأمر الذي يمكن أن يخفف من بعض مخاوف تجار النفط الأمريكي في الأسواق المستقبلية.
الحواجز التي تحول دون تحسن أوضاع سوق النفط
إن السيناريو الذي اقترح من قبل جون كمب، جذاب بنحو خاص لمنتجي النفط؛ لأنه يمكن أن يجعل الأسعار أقرب إلى مستويات ما قبل انتشار كورونا. ومع ذلك، إذا حُقق، فمن المحتمل أن يتم الاحتفاظ به لمدة قصيرة؛ لأن هناك العديد من العقبات التي تحول دون استمرار هذه العملية. من ناحية أخرى، ستجتمع أوبك+ (ربما افتراضياً) في يومي التاسع والعاشر من الشهر المقبل، ليتخذ أعضاؤها خطوات جديدة إذا لزم الأمر. وفي هذا الاجتماع، قد تقرر المجموعة تمديد مستوى التخفيض الحالي للإنتاج في المرحلة الأولى من الاتفاقية، الذي يبلغ مستوى 7/9 مليون برميل يومياً، إلى الأشهر القادمة. ولكن هناك أيضاً احتمالاً بأنه مع التحسن النسبي في السوق، لن تكون هناك حاجة لاتخاذ هذا الإجراء، أو حتى خفض مستوى الإنتاج في المرحلة الثانية إلى أقل من 7/7 مليون برميل، الذي تم الاتفاق عليها مسبقاً.
وعلى أي حال، يمكن لاتخاذ أي قرار من هذه المجموعة أن يكون له تأثير كبير على سوق النفط. ومن ناحية أخرى، فإن فتح الأعمال التجارية ورفع الحظر في العديد من البلدان يمثل خطر احتمال حدوث الموجة الثانية لانتشار فيروس كورونا. وهذا الحدث يمكن أن يعيد سوق النفط إلى ما كانت عليه في شهر نيسان. ولكن هناك قضية مهمة أخرى، ألا وهي مستوى إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة. وكانت بعض شركات النفط في هذا البلد قالت في وقت سابق إنها ستستأنف الإنتاج في آبار النفط بسعر حوالي 30 دولاراً للبرميل. ويقول جوليان لي بهذا الخصوص: “هناك خطر مزدوج يلوح في الأفق: كما أن العودة إلى العمل ورفع الحجر الصحي بسرعة كبيرة جداً، يمكن أن يؤدي إلى حدوث طفرات في الإصابات والوفيات جراء فيروس كورونا، فإن الخفض السريع من قيود الإنتاج والتي تم الكفاح من أجل الاتفاق عليها بنحو كبير، يمكن أن يؤدي إلى مزيد من الانخفاض في أسعار النفط.”
وتطرقت مجلة فوربس إلى هذه القضية في مقال أيضاً، قائلة إن الولايات المتحدة، من خلال عدم مشاركتها في اتفاقية أوبك+، تركت معظم عبء تخفيض الإنتاج على كاهل الدول الأخرى. ومن وجهة نظر مجلة فوربس، إن هذه القضية لا تهدد عودة إنتاج النفط الأمريكي إلى ما كان عليه قبل انتشار كورونا فحسب، بل تهدد أيضاً التعافي العام لسوق النفط.
المصدر: صحيفة رسالت