أوليفيا كوثبرت: صحفية تعمل لدى صحيفة (The National) مقرها أبو ظبي.
مشروع بقيادة عراقية يهدف إلى تقديم معلومات علمية وصحية دقيقة عبر ترجمة ملايين الكلمات إلى اللغة العربية
بعض نظريات المؤامرة التي صادفها حسام شبلي جعلته يضحك -مثل تلك التي بثتها قناة تلفزيونية عراقية زعمت أن فيروس كورونا لن ينتشر في العراق- “كما لو أن الفيروس يميز بين الناس أو البلدان!”.
بينما زرعت نظريات أخرى الخوف لديه بما فيها مقال صحفي يدّعي أن الولايات المتحدة تحملت مسؤولية تصنيع الفيروس. ويقول طالب الطب البالغ من العمر 23 عاماً إن الأخبار الكاذبة ليست أقل خطورة من الفيروس نفسه وتعرض كل من نحبه لخطر كبير؛ لذا عمل الفريق على دحض هذه المعلومات غير المستندة إلى دليل علمي واستبدالها بحقائق علمية موثوقة.
يعدُّ حسام شبلي واحداً من 15 طالب ترجمة في جميع أنحاء الشرق الأوسط يشارك في حملة (أفكار بلا حدود) غير الربحية بقيادة العراق لتقديم معلومات دقيقة عن فيروس كورونا Covid-19 باللغة العربية.
تتحدى المنظمة الروايات الاستبدادية والمتطرفة بتسهيل الوصول إلى المعرفة في العالم العربي من مشاريع الترجمة. وقد ترجمت حتى الآن أكثر من 11 مليون كلمة من كتب ومقالات ويكيبيديا بشأن موضوعات تشمل العلوم والحقوق المدنية والتنوع الديني ونظريات المؤامرة إلى اللغة العربية.
يعدّ فيروس كورونا تحدياً جديداً لمنظمة أفكار بلا حدود، إذ تنتشر دعايات وجود علاجات لهذا الفيروس ونظريات متعددة في وسائل الإعلام الاجتماعية بنحوٍ أسرع مما يمكن لمدققي الحقائق دحضها.
الظروف التي تغذي انتشار المعلومات الخاطئة
يعتقد المؤسس فيصل سعيد المطر أن الصعوبات المشتركة التي تواجهها العديد من الدول في منطقة الشرق الأوسط هي انتشار الشائعات. “وبنحوٍ عام، ينجح انتشار نظريات المؤامرة في العالم العربي؛ لأن العديد من البلدان العربية تواجه ظروفاً تعزز من مشاعر انعدام اليقين والسيطرة”.
نشأ الكاتب والناشط، السيد المطر ذو الـ28 عاماً، في ثقافة التضليل التي سادت في العراق في عهد صدام حسين في التسعينيات، وغادر في عام 2009 بعد أن جعله عمله هدفاً لهجمات القاعدة وذهب إلى الولايات المتحدة لاجئاً بعد ذلك بأربع سنوات، وأنشأ منظمة أفكار بلا حدود في عام 2017.
يواجه الشباب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مستويات عالية من البطالة، والكوارث الإنسانية، وأنظمة التعليم التي أنشأتها الأنظمة الاستبدادية؛ للحد من التفكير النقدي. وحينما تقرن هذا مع الانهيار المتوقع للاقتصاد الكلي وأنظمة الرعاية الصحية المتداعية غير القادرة على التعامل مع تداعيات فيروس كورونا فإنك تحصل على مجتمعات هشة ومتلهفة للحصول على إجابات من أي مصدر.
على الرغم من كون اللغة العربية رابع لغة شائعة بين مستخدمي الإنترنت، إلا أن 0.6% فقط من المعلومات عبر الإنترنت متوافرة باللغة العربية، وهو اختلال يهدف السيد المطر إلى تصحيحه. اجتذبت مقاطع الفيديو التي أنشأها الفريق حول فيروس كورونا الجديد 5.5 مليون مشاهدة، من بينها “10 خرافات ومؤامرات حول فيروس كورونا Covid-19″ و”كيف تحمي نفسك من فيروس Covid-19” “ولا توجد حرب بيولوجية”.
وعمل الطلبة على ترجمة 29 مقالة عن الصحة العامة من مصادر متعددة بما فيها المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها كجزء من حملتها الجديدة لمكافحة التضليل حول فيروس Covid-19.
فيروس كورونا الجديد: الحالات المؤكدة والوفيات وأعداد المتعافين
الوفيات | المتعافين | |
3506729 | 247470 | 1125236 |
أشارت رغد الكتليبي -طالبة في تخصص الطب في جامعة دمشق ومترجمة لدى منظمة أفكار بلا حدود- إلى حالة الذعر التي انتشرت بين الأصدقاء مع انتشار نظريات المؤامرة. وتقول رغد البالغة من العمر 24 عاماً: “أحاول الحفاظ على عقل منفتح وأشجع الناس على تطوير عقليتهم فيما يتعلق بالفيروس”.
لكنها تشعر بالقلق من أن المعلومات الخاطئة يمكن أن يكون لها تأثير أكبر من نصائح الخبراء؛ مما قد يشكل خطراً كبيراً على الأشخاص الذين يبحثون عن الخبرة الطبية. إذ تقول: “يصدق الناس بهذا النوع من الأشياء أكثر مما قد يقوله الأطباء”.
في أوقات الأزمات، يمكن أن يصبح الناس أكثر عرضة للرسائل الإخبارية المزيفة، كما تقول إيرين باسكويتو، زميلة أبحاث ما بعد الدكتوراه في مركز شورينشتاين للإعلام والسياسة العامة في كلية هارفارد كينيدي: “في البداية كانوا يشعرون بالخوف، وهم الآن غاضبون”. وأضافت: “يشارك الناس المعلومات الخاطئة لتعزيز انعدام اليقين والغضب”.
أدت الأسابيع الأخيرة إلى زيادة الأنباء الكاذبة الحزبية. وأضافت باسكويتو: “في بداية الوباء لاحظنا ظهور أنباء كاذبة تتعلق بالعلم في الغالب (بسبب التصريحات المربكة الصادرة من المؤسسات الطبية)، إلا أن المعلومات الخاطئة تتحول إلى معلومات مضللة”.
عواقب وخيمة في البلدان غير المجهزة لمواجهة الفيروس
يقول بشار غاليوني، الذي يعمل في قسم الطوارئ بمستشفى تشرين الجامعي في اللاذقية بسوريا، إن: “الشائعات السخيفة والمعلومات الكاذبة التي يسمعها كل يوم من المرضى وأفراد الأسرة تشكل تهديداً كبيراً ولاسيما في البلدان التي تعاني من النزاع”. يقول غاليوني، الذي يعمل مترجماً في منظمة أفكار بعد انتهاء مناوبته في المستشفى: “أشدد بنحو كبير على أهمية الوعي في منطقة ذات نظام طبي هش بالكاد يصمد بعد سنوات من الحرب والدمار”. وحذرت وكالات الإغاثة مراراً وتكراراً من العواقب الوخيمة التي قد يخلفها الوباء في البلدان ذات البنية التحتية الصحية الضعيفة، مثل: سوريا، وليبيا، واليمن.
إن إحدى الإشاعات التي تسببت بزرع الخوف لدى غاليوني بنحوٍ خاص و”انتشرت كالنار في الهشيم” تشير إلى أن الصين قد نشرت الفيروس في بلدهم والآن قد تجاوزوا الذروة وهم بخير الآن. ويعتقد غاليوني أن هذه أخطر شائعة؛ لأنها تمنح الناس أملاً زائفاً؛ وبالتالي تجاهل تعليمات حظر التجوال والمشورة الطبية في هذه الأوقات الحساسة.
شهد الأسبوع الماضي صداً ضد إجراءات حظر التجوال في العديد من البلدان، بما في ذلك لبنان والولايات المتحدة، إذ تثير نظريات التضليل والتآمر زيادة الاحتجاجات ضد القيود اللازمة لحماية الصحة العامة. وأظهرت صور من تجمع حاشد في واشنطن، رجلًا يحمل لافتة مكتوب عليها “كلا لشبكة 5G!” في إشارة محتملة لنظرية المؤامرة أن شبكة 5Gاللاسلكية مرتبطة بالوباء.
في بعض دول الشرق الأوسط -بما في ذلك العراق ولبنان- تشجع الشائعات النابعة من الآراء الدينية والسياسية الناس على مقاومة تدابير الحظر الصحي مع تعمق الأثر الاقتصادي لعمليات الإغلاق.
يقول عبد الله عرفة ذو 25 عاماً، وهو طالب طب في جامعة طنطا في مصر ورئيس تحرير في فريق منظمة أفكار بلا حدود: “يعتقد بعض الناس أن الوباء العالمي لن يؤثر عليهم؛ لأنهم متدينون جداً أو أنهم محميون لاتباع العقيدة الصحيحة. ويعتقد البعض الآخر أنها علامة على غضب الله، والنظريات المتناقضة (تقول) إنها عقاب للناس لعدم تدينهم بما فيه الكفاية”.
ويعمل آخرون أيضاً على دحض الأخبار المزيفة وإبراز الحقائق. في العراق، نشرت مقاطع الفيديو والصور في وسائل التواصل الاجتماعي التي يظهر فيها أن الناس يخرجون من منازلهم في المدن التي فرض فيها حظر تجوال. إلا أن فحصاً دقيقاً للفيديو يظهر أنه بتأريخ يسبق الحظر، كما يقول بهار جاسم، المتحدث باسم منظمة Tech 4 Peace.
التصدي لموجة الأخبار المزيفة
تقول المنظمة -التي تأسست عام 2016 لفضح الروايات والدعايات الكاذبة التي نشرها تنظيم داعش- إن التضليل منتشر في العراق. ويسعى فريق المنظمة الذي يضم أكثر من 200 متطوع في أنحاء العراق إلى التحقق من الأخبار المزيفة التي تدور حول فيروس Covid-19. يقول السيد جاسم: “في بعض الأحيان يتم تشجيع الأشخاص على الخروج حتى لا تتمكن السلطات من السيطرة عليهم… وفي أحيان أخرى يشعر الناس بالملل من البقاء في منازلهم، ولكن هذه الصفحات تحتوي على الآلاف من الإعجابات ومع مشاركة فيديو واحدة يمكنهم الوصول إلى الكثير من الناس”.
دفع الوباء إلى زيادة في التضليل الذي ترعاه الدولة وزيادة متزامنة في الرقابة إذ تنشر الحكومات الأخبار المزيفة كسبب لتضييق الخناق على حرية التعبير. في الشهر الماضي، اتهم الاتحاد الأوروبي روسيا بمواصلة “حملة تضليل كبيرة” لعكس رد فعل الناس في الغرب تجاه الفيروس الجديد، بما في ذلك تضخيم الاتهامات الإيرانية بأن الفيروس سلاح بيولوجي أمريكي.
أشار البحث الصادر من معهد الحوار الاستراتيجي بشأن تضليل المعلومات عن فيروس Covid-19 إلى بعض روايات المؤامرة المتزايدة على منصات وسائل التواصل الاجتماعي التي تدعمها لعبة اللوم التي ترعاها الدولة التي تحدث بين الجهات التي تصدر الدعايات. ويشير البحث إلى نطاق الاستغلال من قبل الحركات المتطرفة وجماعات الكراهية، التي تستخدم المنصات على الإنترنت لنشر الرسائل التي تلقي باللوم على المهاجرين واللاجئين واليهود والمسلمين والمجموعات الأخرى.
ويعدّ الخطاب المعادي للصينين منتشراً كذلك، مع تصاعد الحوادث العنصرية في جميع أنحاء العالم. ولقد شهد السيد عرفة حدوث هذا الشيء في الحرم الجامعي في مصر، إذ بدأ بعض الناس في جامعته يبتعدون عن الطلبة الماليزيين (ظنوا أنهم صينيون) وأخبرني صديق ماليزي أنه كان من الصعب عليه ركوب سيارة أجرة؛ لأن السائقين لم يتوقفوا له.
إن الغضب الذي أثارته هذه الرسائل يجعل مهمة مشاركة المعلومات الدقيقة أكثر صعوبة لـمنظمة أفكار بلا حدود، إذ يقول السيد عرفة: “إن الخوف يجعل الناس عرضة لكل أنواع المعلومات الخاطئة ونظريات المؤامرة؛ مما يصعّب من عملية التفكير بعقلانية”.
“إن خداع الناس أسهل من إخبارهم بأنهم خدعوا”.
المصدر: