back to top
المزيد

    العراق وإيران وشبح العقوبات الأمريكية

    إيلي جيرانمايه، نائبة رئيس برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.

    سجاد جياد، باحث ومحلل سياسي.

    على الحكومات الأوروبية السعي لثني الولايات المتحدة عن استخدام العراق ساحة قتال جديدة في صراعها مع إيران، إذ يبدو أن حملة “الضغط الأقصى” لإدارة ترامب ستُفرض على العراق قريباً بهدف زيادة الضغوط الاقتصادية على إيران. وعلى العواصم الأوروبية الشعور بالقلق من هذا المسار الأمريكي الجديد، ولاسيما مع هشاشة الحكومة العراقية وجهودها لمنع عودة تنظيم داعش.

    بعد موجة من الضربات العسكرية بين القوات الأمريكية وبعض الفصائل المسلحة في العراق في شهر كانون الثاني، تصاعد العنف في البلاد مرة أخرى، إذ شنت هذه الفصائل هجمات على معسكر التاجي أسفرت عن مقتل جنود من قوات التحالف، وردت الولايات المتحدة عبر شن ضربات جوية انتقامية. ويمكن لموجة العنف هذه أن تدفع إدارة ترامب إلى فرض ضغوط اقتصادية أكبر على العراق، على أمل أن يجبر ذلك بغداد على الابتعاد عن إيران.

    من غير المستغرب أن الإدارة الأمريكية تنظر إلى العراق كوسيلة يمكنها من خلالها الضغط على الاقتصاد الإيراني، ولاسيما بعد ترابط العراق وإيران بنحو متزايد في السنوات الأخيرة، وعلى هذا النحو، قد يتحسن اقتصاد البلدين أو ينخفض في الوقت نفسه. لقد استخدمت إيران العراق في محاولة لتخفيف الضغط الاقتصادي الذي تتعرض له بسبب العقوبات الأمريكية، وبحسب مسؤول أوروبي رفيع (تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته)، فإن هذه الإجراءات حولت العراق إلى “رئة اقتصادية” لإيران. منذ عام 2018، أصبح العراق وجهة تصدير رئيسة للسلع الإيرانية، وتبلغ قيمة التجارة بين البلدين الآن 12 مليار دولار سنوياً، ويريد الجانبان زيادة هذا المبلغ إلى 20 مليار دولار سنوياً بعد عام 2021.

    على الرغم من خطوات العراق لتنويع مورديه، ما يزال البلد يعتمد على واردات الغاز والكهرباء الإيرانية لتلبية ذروة الطلب على الكهرباء في شهر الصيف. فضلاً عن ذلك، يسافر حوالي ثلاثة ملايين عراقي إلى إيران كل عام بغرض السياحة، والعلاج الطبي، والتجارة، وأغراض أخرى، وينفقون العملة الصعبة مثل الدولار الأمريكي، وهو ما تقدره إيران بشدة في ظروفها الحالية.

    ويجد العراق نفسه عالقاً بين إيران والولايات المتحدة، على الرغم من استعداده لتحقيق توازن دقيق في العلاقة بين هؤلاء الشركاء الخارجيين الرئيسين. لا تنظر واشنطن إلى المشاركة الاقتصادية العراقية مع إيران سلباً فقط، لكنها تشعر بقلق متزايد من أن الرياح السياسية في العراق ستهب ضدها. منذ اغتيال أبو مهدي المهندس والجنرال الإيراني قاسم سليماني في بداية هذا العام، ثار جدل في العراق حول وجود الجيش الأمريكي. ورد البرلمان العراقي على عمليات القتل بإصدار قرار يدعو إلى رحيل جميع القوات الأجنبية -في إشارة خاصة إلى القوات الأمريكية- ويبدو أن بعض الأحزاب السياسية عازمة على إنهاء هذا الأمر بحلول نهاية العام.

    تريد واشنطن منع هذه النتيجة، وقد أشارت الإدارة الأمريكية إلى أنها مستعدة لاستخدام الإجراءات الاقتصادية لإجبار العراق على اتخاذ موقف أكثر تفضيلاً تجاه القوات الأمريكية، وهي خطوة أرادت بعض العناصر المتشددة داخل الإدارة -ولاسيما تلك الموجودة في البيت الأبيض- أن تتخذها منذ مدة طويلة بهدف إجبار العراق على تقليل اعتماده على إيران. وحذر الرئيس دونالد ترامب العراق من أنه إذا قامت الدولة بطرد القوات الأمريكية، فإن الولايات المتحدة “ستفرض عليهم عقوبات لم يسبق لهم رؤيتها من قبل … وستجعل العقوبات الإيرانية تبدو صغيرة بجوارها”. وأفادت التقارير بأن الولايات المتحدة صاغت بالفعل عقوبات جديدة تهدف إلى ثني الحكومة العراقية عن إصدار أمر بسحب القوات الأمريكية.

    تتمثل نقطة الضغط الرئيسة على العراق في التنازل الأمريكي عن العقوبات الثانوية، التي تسمح لبغداد باستيراد الغاز والكهرباء اللذين تشتد الحاجة إليهما من إيران. وطرحت الولايات المتحدة فكرة ايقاف الإعفاءات؛ الأمر الذي سيعرض العراق للعقوبات الأمريكية عند استيراد الطاقة الإيرانية. في الوقت الحالي، اتفقت الولايات المتحدة والعراق على أرضية وسطية تنخفض فيها مدة الإعفاءات من 120 يوماً إلى 45 يوماً. لكن المشكلة ما تزال قائمة، بالنظر إلى اعتماد العراق على الطاقة الإيرانية، والطريقة التي يمكن أن يؤثر بها انقطاع الإمدادات على السكان.

    إن العراق عرضة للضغوط الأمريكية لأن احتياطياته من النقد الأجنبي تقع في نيويورك، وحذرت الإدارة الأمريكية صراحة من أنها قد تقيد أو تمنع وصول العراق إلى هذه الإيرادات. في الواقع، هناك بعض التكهنات بأن الولايات المتحدة ربما سعت بالفعل للقيام بذلك من طريق تأخير تدفق الأموال إلى العراق في شهر كانون الثاني، عندما كان السياسيون العراقيون يناقشون مستقبل القوات الأجنبية في البلاد. وفي وقت انخفاض أسعار النفط، الأمر الذي سيؤثر كثيراً على الإيرادات العراقية، وقد يكون عدم الوصول إلى احتياطيات النقد الأجنبي مدمراً.

    إن العراق ليس بغريب عن العقوبات الأمريكية. بعد حرب الخليج 1990-1991، فرضت الولايات المتحدة عقوبات بتفويض من الأمم المتحدة على العراق أدت إلى شل اقتصاد البلاد. كان لهذه الإجراءات تأثير كبير على البنية التحتية للعراق، وأجبرت العديد من العراقيين على النضال من أجل البقاء. كان هناك نقص كبير في الغذاء، وقيود شديدة على الحصول على الأدوية والرعاية الصحية، لكن هذا الضغط لم يضعف صدام حسين أو يخفف من قبضته على البلاد. بالنسبة للعراقيين، فإن شبح العقوبات يبشر بالعودة إلى تلك الأيام.

    إن أحد العوامل الحاسمة في تطوير العلاقات الأمريكية العراقية سيكون تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، وخاصة موقف رئيس الوزراء المقبل تجاه العلاقات مع الولايات المتحدة. إذا قامت الولايات المتحدة بتكثيف ضغوطها الاقتصادية على العراق الآن، فإن هذا لن يكون بمنزلة عقاب جماعي فحسب، بل سيخاطر أيضاً بتمكين القادة العراقيين المتشددين الذين يعملون ضد أهداف الولايات المتحدة.

    إن للحكومات الأوروبية مصالح كبيرة في العراق، ولاسيما في مجال مكافحة الإرهاب، وتحقيق الاستقرار في البلاد، وتحسين الظروف المعيشية بطرق تقلل من تدفق اللاجئين إلى أوروبا. على هذا النحو، يجب عليهم زيادة جهودهم على وجه السرعة لثني الولايات المتحدة عن ممارسة المزيد من الضغوط الاقتصادية على العراق عبر التواصل ليس فقط مع البيت الأبيض ولكن أيضاً مع الخزانة الأمريكية، والكونغرس، والبنتاغون. وعلى العواصم الأوروبية المشاركة في التحالف المناهض لتنظيم داعش للتأكيد على الاهتمام الذي تشترك فيه مع واشنطن وبغداد في منع عودة التنظيم إلى الواجهة مرة اخرى.

    إذا كثفت الولايات المتحدة ضغوطها الاقتصادية على العراق، فإن ذلك سيحرم مؤسسات الدولة من الموارد التي تحتاجها لتوفير الأمن والخدمات الأساسية للسكان المحبطين، وسيكون تأثير ذلك شديداً. ومن مصلحة واشنطن أن تشجع بغداد على تأكيد سيادتها وإضعاف اعتمادها على جهات خارجية، خاصة في أعقاب الاحتجاجات الاخيرة في العراق. ويجب على الأوروبيين أن يتطلعوا إلى دعم هذه العملية من خلال مساعدة العراق في دفع عجلة التنويع الاقتصادي، لكن عليهم أيضاً أن يحذروا إدارة ترامب من أنه كلما حاولت إجبار بغداد على التصرف كما تشاء الإدارة الأمريكية، زاد احتمال عدم الاستقرار الذي قد يقرب العراق مع جهات خارجية كثيرة.


    المصدر:

    https://www.ecfr.eu/article/commentary_iraq_iran_and_the_spectre_of_us_sanctions