بينوا فوكون، صحفي مختص بشؤون أوبك والصناعات النفطية في إيران، وليبيا، ونيجيريا، والجزائر.
إيزابيل كولز، مراسلة في صحيفة وول ستريت جورنال- بغداد.
سمر سعيد، كاتبة مختصة بشؤون الطاقة في صحيفة وول ستريت جورنال- دبي.
مع استعداد السعوديين لإغراق الأسواق بالنفط، تنظر دول من بينها العراق إلى احتمالية خفض الإنفاق
مع عزم السعودية إغراق أسواق النفط عبر زيادة الإنتاج، ستقوم سبع دول في منظمة أوبك بتقليص الإنفاق بنحو كبير للتعامل مع حرب الأسعار القائمة بين المملكة وروسيا، تفتقر هذه الدول إلى الموارد النقدية والقدرة على زيادة إنتاج النفط الخام للقتال في حرب النفط هذه، وتفكر حكومات كل من إيران، والعراق، والجزائر، وليبيا، وأنغولا، وفنزويلا في خفض إنفاقاتها، على الرغم من مواجهتها لفيروس كورونا.
وقالت كبيرة المسؤولين في (RBC Capital Markets) هيليما كروفت: “إن هذه المواجهة ستكون باهظة التكلفة بنحو كبير لمنتجي أوبك الضعفاء”، وتطلق السيدة كروفت على هؤلاء اسم “الستة المهتزون”؛ لأنهم يعانون من تحديات إنتاج النفط، والتهديدات الأمنية، والموازنات الكبيرة.
لقد انخفض سعر النفط القياسي العالمي بنسبة 55٪ في آذار وصولاً إلى 22.76 دولار للبرميل، إذ خفضت السعودية العربية -أكبر مصدر للنفط في العالم- الأسعار وقالت إنها ستعزز الإنتاج في محاولة لسرقة حصة روسيا في السوق. وتأتي هذه الخطوة بعد انهيار تعاون دام ثلاث سنوات بين السعودية وروسيا كجزء مما يسمى بـتحالف أوبك +. حاول العراق والجزائر إعادة المبعوثين من السعودية وروسيا إلى طاولة المفاوضات، لكن جهودهم باءت بالفشل حتى الآن.
من المقرر أن ينخفض دخل النفط والغاز للعديد من أعضاء أوبك بنسبة 50٪ إلى 85٪ في عام 2020، ليصل إلى أدنى مستوى خلال عقدين من الزمن، فعلى وفق تحليل وكالة الطاقة الدولية التي صرحت أنه “من المرجح أن يكون لهذا آثار اجتماعية واقتصادية كبيرة، ولاسيما في مجالات الرعاية الصحية والتعليم”.
من المتوقع أن يصل دخل النفط والغاز للعديد من أعضاء أوبك إلى أدنى مستوى في أكثر من عقدين، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية
يعد العراق -الذي يخطط لاستضافة احتفالية الذكرى الستين لتأسيس أوبك في شهر أيلول المقبل- أكثر البلدان تأثراً بحرب أسعار النفط. وفي بلد يعاني بالفعل من الصراعات والاحتجاجات، فإن الحاجة إلى خفض الإنفاق بسبب انخفاض أسعار النفط يعد “أمراً خطراً لمستقبل البلاد”، كما حذر مستشار رئيس الوزراء مظهر محمد صالح.
لا يمتلك العراق القدرة على التنافس في صراع السوق السعودي الروسي، إذ تمتلك السعودية القدرة على إنتاج 2.5 مليون برميل اضافي لتعويض الانخفاض في أسعار النفط، وهي خطوة لا يمكن للعراق تنفيذها دون مساعدة الشركات الأجنبية. ويسمح الاقتصاد المتنوع لروسيا واحتياطها النقدي بالتعامل مع أسعار النفط المنخفضة وصولاً إلى 25 دولاراً للبرميل، لكن العراق يحتاج إلى أسعار تزيد عن ضعف هذا المبلغ لتغطية الإنفاق الحكومي.
يمكن للعراق فقط زيادة إنتاجه بمقدار 310 ألف برميل يومياً وصولاً إلى 4.9 مليون برميل يومياً، طبقاً لوكالة الطاقة الدولية. وهذا ليس سوى جزء يسير من الكمية التي تخطط الرياض لضخها، حتى هذه الخطوات لن تساعد العراق بسبب تفشي فيروس كورونا.
في الأسابيع الماضية، أوقف العمل في حقل الغراف في جنوب غرب العراق، الذي يبلغ إنتاجه 100 ألف برميل في اليوم عندما قررت الشركة العاملة فيه، بتروناس، إعادة عمالها إلى كوالالمبور بسبب المخاوف من فيروس كورونا.
في إقليم كردستان -الذي يولد خُمس ناتج الدولة الخام- أثر فيروس كورونا على الإنتاج وعمليات الاستكشاف. إذ قالت شركة DNO النرويجية إنها خفضت الإنتاج في أكبر حقل بالمنطقة، وقلصت عدد منصات الحفر التي تعمل هناك من ست إلى اثنتين.
يجري الإنفاق النفطي في جميع أنحاء العراق، وطلبت الولايات المتحدة الأسبوع الماضي من خبراء النفط الدوليين إيجاد سبل لخفض التكاليف على المشاريع المشتركة بنسبة 30٪، وذلك بحسب مستشار حكومي عراقي وأحد المتعاقدين النفطيين.
يتعيّن على بغداد أن تدفع رواتب المقاتلين الذين خاضوا الحرب ضد داعش. وفي غضون ذلك أجبرت الاحتجاجات في العام الماضي؛ بسبب الفساد والافتقار إلى الخدمات العامة- إلى تقديم رئيس الوزراء عادل عبد المهدي استقالته وتحويل الحكومة إلى حكومة تصريف أعمال.
أدى الوضع في العراق إلى موقف عدائي تجاه المنتجين الآخرين الذين أغرقوا السوق بالنفط. إذ قال مستشار الحكومة العراقية: “لقد تسبب السعوديون في فوضى في أسعار النفط، فهم لم يستشيروا العراق وأوبك، والآن سيأخذون حصة العراق في السوق”.
لا يمكن للجزائر أن تتدخل في معركة أسعار النفط، فهي تحتاج إلى أن تزيد أسعار النفط عن 92 دولاراً للبرميل لتمويل برامجها الحكومية بنحو مناسب. واهتزت منطقة شمال أفريقيا؛ بسبب الاحتجاجات على الظروف المعيشية في العام الماضي؛ مما أدى إلى استقالة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الذي شغل المنصب لمدة 20 عاماً.
في الأسبوع الماضي خفضت القيادة الجديدة للجزائر الإنفاق بمقدار 24 مليار دولار، بما في ذلك 30٪ في المصاريف التشغيلية. وتتضمن خطة الاستخدامات الإنفاق النصفي على مشروعات النفط والغاز. ويمكن لهذه الخطوات تسريع انخفاض قدرة الإنتاج، التي انخفضت بالفعل بمقدار 100 ألف برميل في اليوم خلال أربع سنوات بسبب الأحداث، وقال أحد المستشارين الحكوميين: في حال استمر انخفاض الأسعار “خلال سنتين إلى ثلاث سنوات، فإن البلاد لن تكون تحت وصاية” صندوق النقد الدولي.
حتى أكبر منتجي النفط في أفريقيا -نيجريا- تأثرت بحرب الأسعار. إذ صرح أحد تجار النفط أن البلاد خفضت أسعار الخام الرئيسة بمقدار 5 دولارات للبرميل الأسبوع الماضي، وتعهدت بزيادة الإنتاج. لكن مع توقف النشاط التجاري بسبب فيروس كورونا في جميع أنحاء العالم، فإن قلة الطلب على النفط تسببت أيضاً في انهيار الأسعار، ولا تمتلك نيجيريا القدرة على زيادة إنتاجها إلا بمقدار 120 ألف برميل يومياً، بنسبة 5٪؛ مما يمكن أن تنتجه المملكة العربية السعودية، على وفق وكالة الطاقة الدولية.
إذا لم تتمكن نيجيريا من بيع نفطها، فلن يكون لها أكثر من ما يعادل يومين من الإنتاج في طاقة التخزين، على وفق HIS Market وبسعر إنتاجها البالغ حوالي 29.60 دولار للبرميل، فإن كلفة ضخ نفطها أعلى مقارنة بالأسعار الدولية التي تبلغ حوالي 25 دولاراً للبرميل، كما تظهر بيانات Rystad. ولا تمتلك البلد الاحتياطات المالية نفسها التي تمتلكها السعودية العربية، وسعر النفط المطلوب لموازنة ميزانية الحكومة هو 57 دولاراً للبرميل، وهو أعلى سعر بين منتجي النفط الرئيسين في الشرق الأوسط وأفريقيا.
تسعى نيجيريا -التي تواجه مشكلات مشابهة للعراق- إلى إيجاد طرق لخفض موازنتها التي بلغت 34.6 مليار دولار بحسب وزارة المالية النيجيرية.
في هذه الأثناء، سعت كل من فنزويلا وإيران، التي أثرت عليهما عقوبات الولايات المتحدة، إلى الحصول على قرض بقيمة 5 مليارات دولار لكل منها من صندوق الطوارئ من صندوق النقد الدولي. فقدت فنزويلا نصف ناتجها النفطي؛ بسبب الولايات المتحدة، وهو ذو نوعية منخفضة جداً، وذو تكلفة استخراج عالية مقارنة بنفط الولايات المتحدة. وقال تاجر نفط فنزويلي: “إذا استمر ذلك، فلن يكون من المنطقي أن تنتج فنزويلا النفط، إذ سيكون استيراد النفط الخام أقل تكلفة”.
المصدر: