محسن حسن
يعد الانتشار المفاجئ لفيروس (كورونا) القاتل في الصين، ومنها إلى بعض دول وشعوب العالم، حدثاً مربكاً على المستوى العالمي والدولي، ولاسيما فيما يخص مسار العلاقات الدولية في صورتيها الاقتصادية/التجارية، والسياسية / الاستراتيجية؛ وذلك باعتبار ما تمثله الصين (مركز انطلاق الفيروس) من قوة اقتصادية وعسكرية صاعدة، كان لها الدور الأكبر في اشتعال المنافسة الدولية الشاملة مع القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية؛ من أجل احتلال منصة الهيمنة الاقتصادية، والتجارية، والسياسية بين الشرق، والغرب، والشمال، والجنوب. وفي ظل هذه الوضعية الطارئة، تهدف هذه الدراسة إلى رصد الآثار المستقبلية لانتشار الفيروس على الاقتصاد الصيني من جهة، وعلى موازين الصراع الاقتصادي بين بكين/واشنطن من جهة أخرى، جنباً إلى جنب مع رصد حجم المؤثرات السلبية المتوقعة للوضعية المشار إليها وإظهارها على اقتصادات دول المنطقة العربية بصفة عامة.
تشكل الأوبئة والأمراض المتفشية خطراً داهماً على سكان العالم، لا يقف فقط عند حدود الجوانب الاقتصادية والتجارية، وإنما يتعدى ذلك بكثير إلى حيز المخاطر الشاملة التي قد تهدد حياة كوكب الأرض نفسه، ولكن في كل الأحوال، تبقى الجوانب التجارية والاقتصادية مؤشراً واضحاً وصريحاً لعمق التأثيرات السلبية المعقدة، التي يمكن أن يصاب المجتمع العالمي خلالها بحالة من الشلل والارتباك العام في علاقاته على المستويات كافة في ظل الكلفة الباهظة لتلك الأوبئة؛ فعلى سبيل المثال” تصل التكلفة السنوية المتوقعة للإنفلونزا الوبائية حوالي 500 مليار دولار أمريكي (0.6 % من الدخل العالمي)، وغالباً ما تتعاظم التداعيات الاقتصادية للأوبئة سريعاً، حتى في ظل محدودية آثارها الصحية، ومن ذلك مثلاً ما شهده معدل نمو إجمالي الناتج المحلي في ليبيريا من انخفاض بنسبة 8 % نقطة من 2013 إلى 2014 إبان تفشي فيروس الإيبولا (المحدود التأثير الصحي) في غرب أفريقيا”.
وتزداد التداعيات السلبية ذات المنحى الاقتصادي والتجاري والمالي، الناجمة عن تفشي الأوبئة والأمراض، على وفق اعتبارات خاصة، يأتي في مقدمتها جغرافية الوباء ومنطقته القادم منها، وما تمثله الدولة محل الوباء من ثقل أو عدم ثقل اقتصادي، ضمن البنية الاقتصادية العالمية؛ فكلما كان الوباء قادماً من دولة محورية على المستوى الاقتصادي الدولي، كانت التداعيات السلبية على مجمل الاقتصاد العالمي أكثر حدة وشمولاً، وهو ما يمكن توقعه حالياً جراء انطلاق فيروس كورونا قادماً من الصين باتجاه دول العالم؛ إذ تشير أحدث الإحصائيات الراصدة لحركة انتشار الفيروس عالمياً (وقت كتابة هذه السطور) إلى أن عدد المصابين به تبلغ 64441 مصاباً، وأن الحالات التي تم علاجها تبلغ 6983 حالة، في حين بلغت الوفيات 1383 حالة.